في المدرسة والجامعة، الجميع يدرس مناهج وموضوعات ومسارات، يشترك الكل فيها ونظريات قد لا تمت إلى الواقع بصلة، إنْ لم تجر عليها تعديلات وتغييرات مسايرة لتطور الحياة. بعد أن تجاوزنا كل تلك المراحل، ماذا نحتاج إليه لضمان السير في هذه الحياة المتلاطمة أمواجها، نريد إدراك مساراتها ونعي المناسب لسلامة تجاربنا، الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، رحمه الله، في مجلسه كان يفتح العقول والأذهان نحو مسارات الحياة بروح إيجابية وحيادية في الطرح مليئة بحيوية الأداء.
حمدان رحمه الله، كان يصنع كل ما هو صالح للحياة، فكره كان واضحاً إلى درجة يزيل من خلال طرحه غموض وعقد الأفكار الأخرى. هامسني أحد رواد المجلس قائلاً: حافظ على ملازمة هذه المنارة لأنها من نوادر هذا الزمان. ومن وحي التجربة الشخصية لقرابة عقد في حضرة الشيخ حمدان لم أر مسؤولاً بحجمه ينساب التفاؤل من بين كلماته، حتى في وقت الأزمات التي نسمع فيها أطناناً من الشحنات السالبة، ولكنها لا تجرؤ على الولوج إلى مجلسه لأن مساماته محصنة بالروح المغلفة بالتفاؤل.
في الوقت الذي كان يلمح البعض إلى أزمة العالم في اقتصاده، فهو يؤكد على النظر إلى خور دبي المليء بفضل الله، بآلاف من السفن التي تحمل على ظهرها من المؤن الضرورية إلى المعدات الثقيلة، للوصول إلى قرابة نصف مليار نسمة يعتمدون على هذا الشريان الحيوي لآسيا وأفريقيا، وفي فترة جائحة كورونا في 2020 بلغ حجم التجارة الخارجية لإمارة دبي قرابة تريليون درهم.
وكان يتمتع بنظرة ثاقبة في قضايا الاقتصاد والمال والأعمال، فكان يدرك أهمية عدم مشاركة الحكومة في القطاع الخاص والاقتصار على التنظيم والمتابعة حتى يؤدي دوره ويحقق أهدافه.
وقد ضرب لنا مثلاً على ذلك بوضع شركة «طيران الإمارات» وتجربتها الرائدة خلال أكثر من ثلاثة عقود من النجاح المتواصل، والسر في ذلك أن الحكومة ليست طرفاً فيها، وقد بلغت أرباحها في السنة المالية 2019-2020 قرابة 1.2 مليار درهم. وأذكر بأنني في فترة وجودي في بريطانيا، قدمت عنها مشروعاً للماجستير، ولكن قصر مدة تشغيل الشركة الوطنية وهي في الخمس سنوات الأولى من التأسيس لم يساعدني في مواصلة هذا البحث. أما اليوم فيمكن لأي طالب دراسات عليا في التخطيط الحضري المضي في هذا الحقل.
ننتقل من عالم الطيران إلى عالم الطيور، كان إنساناً متكاملاً، وهبه الله نعمة الصبر والمثابرة، نأخذ ذلك من خلال نموذج للطير الذي رباه لقرابة 30 عاماً، وكأنه أحد أبنائه وليس من مملكة الدواجن.
ففي القنص له سبق لا يبارى وفي علم الطيور لا يجارى، وكذلك في طرق الطبابة الخاصة به، وقد أشار مرة إلى «الخِيل» كأحد الأدوية الشعبية المهمة في علاج بعض أمراض الطيور، وكنا نحسب أنه لا يعالج به غير الإنسان. 
ماذا عن البيئة الطبيعية، والتربة البكر للأرض الزراعية واستدامتها، فقد كان لديه قناعة تامة بأن إدخال المعدات الآلية لحراثة الأرض الزراعية يهدم العروق الأساسية للأرض التي يراد زراعتها، وهو في النهاية تؤثر في الناتج النهائي لجودة الفواكه أو الخضروات والبقوليات.
زاره رجل أعمال فتح مشروعاً زراعياً في إحدى إمارات الدولة وفق التقنيات الحديثة، ولا علاقة لها بالتربة، بل عبر الأضواء الحرارية الكهربائية، وأثناء شرح التفاصيل، صارحه الشيخ حمدان برؤيته حول هذه المشاريع التي تشبه «الفاست فود» في مفعوله السلبي، وهو ما لا يتفق مع قناعاته الراسخة في هذا المجال. ورأيه هذا يتفق تماماً مع رفض بعض الدول الغربية في إدخال بعض أنواع الأتمتة إلى القطاع الزراعي.