قدر ورق المحارم أن تُستخدم وتُلقى في أقرب سلة مهملات، وهذا على ما يبدو أنه سيكون أمر الفارّين إلى تركيا مِن «الإخوان المسلمين»، فبعد أن لفظت الشعوب العربية هذه الجماعة عقب أحداث «الربيع»، وهروب بعض قياداتها إلى تركيا وغيرها، تصوّر هؤلاء أنهم باتوا عملة صعبة في السوق السياسية، ورضوا بأن يُباعوا ويُشتروا، وأن يكونوا محلاً للتفاوض والمساومة بين الدول، وما لبثوا أن اكتشفوا أنهم مجرد ورق محارم، يمكن التخلص منهم بسهولة التخلص من ورق المحارم بعد الاستخدام. 
فقد أمرت السلطات التركية ثلاث قنوات تلفزيونية تابعة لأولئك الفارّين، وتتخذ من الأراضي التركية مقرات لها، وهي قنوات: «مكملين»، و«الشرق»، و«وطن»، بـ«تخفيف» برامجها السياسية المخصصة لضرب الاستقرار في مصر والتحريض على العنف وإعادة حكم «الإخوان»، هذا فضلاً عن بعض التسريبات التي تؤكد وضع تركيا قيادات «إخوانية» تحت الإقامة الجبرية، ومساومة آخرين منهم بين البقاء وتوقيع وثيقة أمنية، ومناقشة بعضهم الآخر في شأن ترحيلهم نهائياً.. وذلك كله على خلفية محاولة الدولة التركية ترميم التصدّع الذي أحدثته في علاقاتها مع كافة جيرانها، وكسر العزلة التي وجدت نفسها فيها. 
وعلى الرغم من محاولات التقليل من شأن هذه الخطوة التركية، وتصويرها على أنها مجرد «ضبط إعلامي» لتلك القنوات، إلا أن الحقيقة هي أن تركيا تريد فعلاً تغيير سياستها الخارجية، ذلك أن منطق «الضبط الإعلامي» الذي يُروّج له غير مقنع أبداً، فقد خرج أحد المستشارين السياسيين الأتراك ليقول: إن الخطوة التركية جاءت بناءً على ملاحظات من السلطات المصرية بشأن محتوى تلك القنوات، وبعد تلقي هذه الملاحظات، تابعت السلطات التركية ذلك المحتوى، ووجدت فعلاً بعض «الخروقات»، إذ لم تكن السلطات التركية تتابع تلك القنوات كما قال، رغم أنه هو نفسه كان ضيفاً دائماً عليها!
وهكذا فعل إبراهيم منير، نائب مرشد «الإخوان»: إذ خرج على قناة «الجزيرة» محاولاً تخفيف وقع الخطوة التركية، وتصوير الأمر كأنه مجرد تجاوزات إعلامية انتبهت إليها السلطات التركية أخيراً، فقد قال إن من حق تركيا إلزام القنوات التي تعمل على أراضيها بقوانينها الإعلامية، رغم أن القوانين الإعلامية في تركيا لم تتغير، وهي نفسها القوانين التي تحت ظلها بقيت تلك القنوات لأكثر من ثماني سنوات تنشر الأكاذيب وتحرّض على العنف. 
وإزاء تلك الخطوة التركية المهمة، والتي لاقت ترحيباً من دول المنطقة، والتي ستُبنى عليها خطوات أخرى قادمة لتخفيف التوترات الإقليمية، فمن المتوقع أن تضيق الأرض على الفئة الوحيدة المتضررة من أي تهدئة أو تصالح وسلام، ألا وهم جماعة «الإخوان المسلمين»، وقد يفرّ «الإخوان» مِن تركيا كما فرّوا مِن قبل مِن دولهم، وهكذا هم على استعداد للفرار من بلد إلى آخر، والقبول باستخدامهم في كل بلد، مهما كانت أجندات بلد الاستخدام، وإن تعارضت كل المعارضة مع شعارات «الإخوان» والمبادئ التي يسوِّقونها لدى أتباعهم، ليكونوا دائماً أقل الأوراق قيمة: ورق المحارم التي لا مكان لها بعد الاستخدام إلا سلة المهملات.