تحتدم المعارك في غرب مأرب وتعز ومدينة الحديدة وجنوبها بين قوات الجيش الوطني اليمني وميليشيا الحوثي. وفي الوقت ذاته تواصل الميليشيا الحوثية استهداف الأراضي السعودية بالطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية، في رفض صريح ومباشر لمبادرة السلام السعودية من أجل وقف إطلاق النار في اليمن، حيث جاء الرد الحوثي الرافض للمبادرة بالإعلان عن عملية عسكرية باسم «عملية يوم الصمود الوطني» لاستهداف المنشآت النفطية والبنى التحتية الأمنية السعودية! فلماذا رفض الحوثيون المبادرة السعودية؟
تزامنت المبادرة السعودية مع الذكرى السادسة لعاصفة الحزم التي انطلقت في 26 مارس 2015 لدعم الشرعية في اليمن. وتشكل المبادرة اختباراً لمدى جدية ورغبة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في الضغط على ميليشيا الحوثي للقبول بالمبادرة وتحقيق السلام في اليمن، بعد أقل من شهرين على قرار الإدارة رفع اسم الحوثيين من قائمة الإرهاب الأميركية، وبعد أيام من رفض ميليشيا الحوثي لجهود المبعوث الأميركي لليمن تيموثي ليندر كينج لوقف إطلاق النار، حيث يتفاوض الحوثيون بوساطة عمانية، رغم أنه لا يتوقع أن تسهم هذه المفاوضات في وقف لإطلاق النار وإنهاء للحرب، حيث رد محمد عبدالسلام الناطق باسم ميليشيا الحوثي بزعم أنها «لا تلبي طموحات جماعته».
وأبرزت المبادرة حرص السعودية على أمن واستقرار اليمن والمنطقة وسعيها لتحقيق السلام. وقد استندت المبادرة على المرجعيات اليمنية والأممية، حيث دعت إلى «بدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية برعاية الأمم المتحدة بناءً على مرجعيات قرار مجلس الأمن الدولي 2216، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل»، فجاءت بصيغة موائمة للمبادرات الدولية السابقة، واشتملت على مبادرة الإعلان المشترك التي قدمها المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث إلى الأطراف العام الماضي، وتضمنت بعض المقترحات التي قدمها المبعوث الأميركي، واشتملت على ترتيبات لوقف إطلاق النار، وعلى المطالب الحوثية بإعادة فتح مطار صنعاء الدولي، ورفع الحصار عن ميناء الحديدة.. وكل هذا مجافٍ لادعاءات المتحدث الحوثي بأن السعوديين «لم يقدموا شيئاً جديداً». بل أكثر من ذلك، فقد اشتملت المبادرة على ترتيبات مستقبلية واضحة من شأنها إنهاء الصراع في اليمن، لذلك حُظيت بالقبول من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والحكومة الشرعية اليمنية، كما قوبلت بترحيب دولي وعربي واسع بمجرد إعلانها.
والواقع أن التصعيد الحوثي في مأرب والاستهداف الجوي للسعودية، هما ترجمة لتبعية ميليشيا الحوثي لطهران التي لا تعتقد أنه آن أوان إنهاء الصراع في اليمن، لذا تستمر ميليشيا الحوثي بالتصعيد الميداني ومحاولة الضغط العسكري.
وبحث أسباب الرفض الحوثي يقودنا إلى مأرب، فهناك المعركة الرئيسية بالنسبة للحوثيين والتي يريدون حسمها لصالحهم قبل الدخول في أي مفاوضات قادمة، إذ تمثل مأرب آخر مدينة شمالية تسيطر عليها الحكومة الشرعية، والسيطرة على مأرب تعني السيطرة على ما كان يعرف تاريخياً باليمن الشمالي، قبل الوحدة اليمنية عام 1990، بما في ذلك محافظة تعز بساحلها. كما تعني السيطرة على مأرب أن الطريق نحو محافظات جنوبية مثل شبوة وحضرموت أصبح ممهداً. ثم إن مأرب مدينة غنية بالنفط، في وقت لا تخضع لسيطرة الحوثيين أي منطقة نفطية. صحيح أن سيطرة الحوثيين على مأرب من شأنها توجيه ضربة للحكومة اليمنية، لكن الأصح أن الحوثيين يحتاجون السيطرة على مأرب من أجل تعزيز مواقفهم في مفاوضات وقف إطلاق النار المقبلة وأي محادثات للسلام.