في كلام مشحون بالسخرية، رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على اتهامات الرئيس الأميركي جو بايدن له بـ«القتل» و«خواء الروح» أن بايدن يحاول إسقاط ما في نفسه على آخرين، متمنياً أن يكون نظيره الأميركي في صحة جيدة. وقال بوتين: «إننا عادة ما نرى ما بأنفسنا في الآخرين، ونظنّ أنهم على ما نحن عليه. وعندئذ نطلق أحكامنا عليهم». وأضاف الرئيس الروسي: «تماماً كما قال بايدن، كلانا يعرف الآخر جيداً. بماذا يمكنني أن أردّ عليه؟ حري بي أن أقول: «أتمنى لك صحة جيدة. أقولها ولا أضمر أية سخرية». كما دعت موسكو سفيرها في واشنطن للعودة إلى بلاده لإجراء مشاورات حول مستقبل العلاقات الروسية الأميركية. ويرى الخبراء الاستراتيجيون أن استدعاء السفير بهذا الشكل، رغم أن موسكو وصفته بالدعوة، أمر نادر في العمل الدبلوماسي الروسي. 
ومن جهة أخرى، تعتبر تصريحات بايدن عند توجيه المذيع الشهير جورج ستيفانوبولوس في تلفزيون «إيه بي سي» الأميركي خلال حوار الأربعاء سؤالا مباشراً له، خارج إطار الأعراف الدبلوماسية، وبخاصة تلك التي تحكم العلاقات بين البلدين. هذا من جهة، ومن جهة أخرى قام وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، في أول رحلة خارجية له منذ توليه منصبه في 22 يناير الماضي، بجولة في عدد من الدول الآسيوية في مسعى لتأسيس تحالفات متنوعة تهدف لمواجهة صعود الصين. والتحق أوستن بوزير الخارجية أونتوني بلينكن في طوكيو وسيول، حيث أجريا محادثات مع نظيريهما الياباني والكوري الجنوبي، أملاً في تشكيل «ردع موثوق به» أمام الصين. وقال للصحافيين المرافقين له في جولته: «إنها مسألة تحالفات وشراكات». وأضاف: «الأمر يتعلق أيضاً بتعزيز قدرتنا»، مذكِّراً بأنه بينما كانت الولايات المتحدة تقوم جاهدة بمكافحة الإرهابيين في الشرق الأوسط، كانت الصين تُحدث جيشها بسرعة عالية، بمعنى أن الميزة التنافسية لأميركا قد تآكلت.
ويأتي هذا التوجه في بيئة دولية جديدة أصبحت أكثر تعقيداً وأشد غموضاً من أي وقت مضى.. فالقوة بالمفهوم القديم، كما أكدت على ذلك هنا مراراً، لم يعد لها أي معنى، إذ تكفي حروب على شكل هجمات إلكترونية، أو نشر أسلحة فيروسية مجهولة المصدر للقضاء على الأخضر واليابس. كما أن إدارة الرئيس بايدن تفهم جيداً بأن الصين اليوم، وبعدها روسيا، تظهران في ظل هذه البيئة الدولية المعقدة على شكل قوتين ستثقان في نفسيهما، ولربما استعملتا أسلحة غير تقليدية وأكثر تدميراً. ويكفي، حسب تصريحات الرئيس الفرنسي السابقة، أن روسيا «تواصل محاولة زعزعة استقرار الديمقراطيات الغربية عن طريق التلاعب بشبكات التواصل الاجتماعي أو عمليات معلوماتية»، والذي أضاف أنها «تفعل ذلك إما عبر أطراف فاعلة خاصة، أو عبر خدمات مباشرة، أو عبر وكلاء». والأدهى من هذا كله أن الدول الغربية ليس لها سوى بعض الدفاعات في مواجهة هذه الهجمات، ولا يوجد عندها تعزيز فعال للدفاعات التكنولوجية لتشخيص وتحديد هذه الهجمات التي تبقى في أحيان كثيرة مجهولة المصدر.
كما تتعمق المشاكل أكثر بين أميركا والصين بسبب التقارب الصيني الروسي، وقد باتت الصين خلال العامين الأخيرين أكبر شركاء روسيا التجاريين، محتلةً بذلك مكان الاتحاد الأوروبي. إذ استحوذت على 15 في المائة من تجارة روسيا الخارجية. وارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 31.5 في المائة، لتبلغ 87.4 مليار دولار، منها 39 مليار دولار صادرات روسيا إلى الصين، مقابل واردات بقيمة 48.4 مليار دولار.
ويرى المتتبعون الاستراتيجيون أن هناك جهوداً روسية صينية لتقزيم حجم الدولار الأميركي، بل وطرده من المعاملات التجارية. ففي السنوات الماضية قال بوتين للرئيس الصيني «شي»، وهو يهديه آنية مصنوعة يدوياً وتحتوي على العسل الطبيعي، إن عليه أن يدفع ثمنها فأجابه الزعيم الصيني إنه لا يحمل معه في تلك اللحظة روبلات روسية ليدفع ثمن الآنية، فأجابه الرئيس الروسي: سيكون عليك إذن الدفع بالعملة الصينية. لقد حمل مزاح الرئيسين إشارة مباشرة إلى النقاشات الجدية الجارية بين البلدين للتحول تدريجياً نحو التعامل بالعملات الوطنية. 
وهذا كله ينذر بأشكال جديدة من الحروب التي لم تعرفها البشرية في النظام العالمي والتي لن يطيقها نظام ما بعد جائحة كورونا.