في السياسات والعلاقات بين الدول هناك ثوابت ومتغيرات، وهنا تحديداً عن العلاقة بين واشنطن ودول العالم أو على الأقل دول منطقتنا، فمن المعلوم للجميع خريطة التحالفات التي تحكمها في الأغلب العلاقات طويلة الأمد وبطبيعة الحال المصالح المشتركة، وهي مصالح استراتيجية وأيضاً اقتصادية لكل الأطراف، وتطبيقها في الغالب يحتاج إلى خطط ثم تنفيذ، وهذا يحتاج لسنوات طويلة في بعض الأحيان، لكن الذي يحدث بين دول المنطقة وواشنطن هو بروز عوائق أو تغييرات في تلك الخطط، مع قدوم إدارة جديدة في البيت الأبيض كل فترة، حيث إنه في بعض الأحيان تحدث تغيرات جذرية، وإنهاء لخطط قديمة أو شلل في تنفيذ أخرى، وهذا يؤثر بطبيعة الحال على العلاقات وليس التحالفات، فمن المفترض أن تلك التحالفات قائمة على استراتيجيات طويلة، ولكي نبسط الأمر فإن تغيير السياسات مع كل إدارة له تأثير مباشر على قضايا وشعوب المنطقة. فمثلاً العلاقة بين طهران وواشنطن تغيرت بشكل كبير ومتناقض خلال ثلاث إدارات في غضون السنوات الخمس الماضية فقط؛ فمع الرئيس الأسبق باراك أوباما، جاء الاتفاق النووي بعد أزمة وقعت فيها إيران، ونتذكر الوفود الدولية التي زارت طهران، خاصة بعد الكشف عن مفاعل نووي سري والمخاوف الدولية من أن تسعى إيران لامتلاك سلاح نووي، وتلتها ضغوطات وعقوبات انتهت باتفاقية نووية في عهد أوباما. لكن القصة لم تنته هنا؛ فمع صعود الرئيس السابق دونالد ترامب، سارع إلى إعلان خروج بلاده من تلك الاتفاقية، وقال إنه سيفرض عقوبات إضافية على طهران وتدهورت العلاقة بين البلدين لتلوح في الأفق أخبار عن احتمال ضرب منشآت إيران النووية، لكن تلك الضربات لم تتم ليخسر ترامب أمام جو بايدن القادم الجديد إلى البيت الأبيض والذي سيغير الدفة، ويعود لسياسة أوباما، وهنا يسعى بشكل واضح وصريح إلى محاولة الجلوس مع طهران لإعادة إحياء الاتفاقية النووية. 
كل تلك المقدمة كانت لتوضيح الصورة المتناقضة في السياسات الخارجية، وكيف تستفيد منها بالدرجة الأولى طهران التي يحكمها عملياً المرشد خامنئي، بينما يقع التنفيذ فيها على عاتق الرئيس الذي له إدارة «الجمهورية الإسلامية». وإذا راجعنا مواقف طهران المرتعدة في زمن ترامب من أي ضربة عسكرية تدمر بنيتها التحتية المتهالكة أصلاً، وبين طهران الحالية المزهوة التي تحاول الحصول على مكاسب إضافية كانت قد خسرتها سابقاً، وتدعي عبر مسرحية مكشوفة، من خلال مجلس النواب، أنها ترفض الاتفاقية النووية ليصدّق المجلس أخيراً على مشروع قانون يعيد البرنامج النووي لما قبل الاتفاقية النووية. 
اللعبة الإيرانية الحالية هدفها إيهام الجانب الأميركي، بأن طهران تريد العودة للاتفاق، لكنها لا تستطيع تقديم تنازلات بسبب ضغط الشارع، لذلك تحتاج من واشنطن أن تسقط عنها العقوبات قبل الشروع بأي مفاوضات!
ربما على الدول الكبرى كي لا تسقط المنطقة في فوضى أو على أقل تقدير في مراوحة للمكان في الملفات الحساسة، أن تضع استراتيجيات مستمرة غير متغيرة، لأن دولاً مثل إيران وغيرها تستغل حالة المرحلة الانتقالية ما قبل وبعد الانتخابات لتعيد ترتيب مخططاتها، وبذلك تحقق مكاسب قد تقربها كما في الحالة الإيرانية من صناعة سلاح نووي يهدد المنطقة والعالم، ويكون السبب المباشر سياسات متخبطة خاضعة لتقلبات داخلية لا يجب بأي حال أن تأثر على السياسات الخارجية. 
وهنا تبرز ملفات أخرى مثل الملف اليمني، حيث يستغل الحوثيون المدعومون من طهران حالة التقلب الأميركية ليعيدوا تمددهم وعبثهم بمستقبل الشعب اليمني. أما ليبيا وسوريا فملفان سنتحدث عنهما لاحقاً.