في القرن الماضي، والتاريخ المعاصر، سمعنا وقرأنا عن عشرة أيام هزت العالم. وهو نتاج «البلشفية» في العام 1917، والتي تخلصت من حكم القياصرة الذين حكموا روسيا لمئات السنين، ولكن عشرة أيام من القتل كانت كافية لهدم كل البناء السابق على رؤوس الجميع وليس القياصرة فحسب. وكان يفترض بهؤلاء البلاشفة تحويل «جهنم» القيصرية إلى «جنة الشيوعية»، ولكنهم اتخذوا بدلاً من ذلك شعاراً دغدغوا به عواطف المحرومين من أي درجة من الإنسانية بـ«يا عمال العالم اتحدوا».
استمر هذا الشعار يحكم الاتحاد السوفييتي لسبعة عقود دفن الإنسان في صحراء سيبيريا، السجن المتجمد لكل من يجرؤ على قول، «لا» من الرفاق قبل المعارضين.
بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، سألوا الخبراء في الجيوبوليتيك من الروس عما جرى، فأجابوا: لقد توسعنا جغرافياً وتقلصنا سياسياً.
أما العمال الذين لم يتحدوا، فقد أجابوا عن سبب هذا الانهيار المدوي، فقالوا في حينه: كنا نتظاهر بأننا نعمل والحكومة تتظاهر بأنها تدفع لنا أجوراً.
فما علاقة كل ذلك بيوم في حياة أميركا بايدن؟! 
المقارنة هنا بالمفارقة وليست بالمقاربة، فلم تمر على أميركا قيصرية ولا فاشية ولا شيوعية، فهي منذ أكثر من قرنين ونصف ديمقراطية بنكهتها الخاصة.
لقد ألغى بايدن في يوم واحد كل الأوامر التنفيذية التي أخذت من عمر رئاسة ترامب أربع سنوات، خرج منها بهذه اللائحة من الاتهام الموجهة من «الديمقراطيين» إليه والتي تتضمن «الخيانة غير المسبوقة»، وتهديد الديمقراطية الأميركية، وتعريض حياة أعضاء الكونجرس للخطر، ومنعه من تولي أي منصب في المستقبل.
وقع بايدن 17 أمراً تنفيذياً في حزمة واحدة قلب فيها وجه أميركا ومعها العالم، لأنه ما زال مرتبطاً بها سياسياً واقتصادياً وتقنياً، وهذا قدر يصعب الفرار منه في هذا العصر. 
من أهم هذه الأوامر التنفيذية المستعجلة، مقترح لإنفاق 1.9 تريليون دولار من أجل تسريع توزيع لقاحات الوقاية من فيروس كورونا، مع تقديم معونات اقتصادية لملايين الأميركيين المتضررين من الجائحة، وفرض وضع الكمامات في كل المنشآت الاتحادية والطائرات ووسائل النقل العام.
وكذلك توسيع نطاق الإعفاءات من سداد الأقساط الدراسية، وتمديد العمل بوقف تنفيذ أوامر الطرد من المنازل.
ومساعدة المدارس والشركات على فتح أبوابها من جديد بأمان وتوسيع نطاق فحوص كورونا، ووضع معايير أوضح للصحة العامة، والعمل على توجيه الوكالات الاتحادية للتحرك الفوري لتقديم معونات اقتصادية للأسر العاملة التي تتحمل عبء الأزمة.
والعودة إلى منظمة الصحة العالمية، بعد أن انسحب ترامب منها قائلاً: إن إشرافها على التصدي لجائحة كوفيد-19 لم يكن على النحو الملائم.
وليس هذا فحسب، فقد عادت أميركا إلى اتفاقية باريس للمناخ، المبرمة قبل خمس سنوات بمشاركة قرابة 200 دولة لتفادي التداعيات الأسوأ لتغير المناخ، وإعادة فرض قيود على التلوث الناجم عن غاز الميثان في عمليات التنقيب عن النفط والغاز الجديدة، واستخدام نظام التوريدات الحكومي الاتحادي، الذي ينفق 500 مليار دولار سنوياً، لجعل المرافق أكثر اعتماداً على الطاقة النظيفة.
أما بخصوص الهجرة، فقام «بايدن» بإلغاء حظر السفر إلى بعض الدول ذات الغالبية المسلمة، وتقديم مشروع قانون للكونجرس لتسوية وضع ملايين المهاجرين الذين يعيشون في الولايات المتحدة دون تصريح قانوني، كما عمل على إعادة العمل بالبرنامج الذي كان يسمح ببقاء «الحالمين»، أي من نُقلوا إلى الولايات المتحدة بطريقة غير مشروعة وهم أطفال، في البلاد، والعدول عن سياسة ترامب التي كانت تفصل بين الآباء والأمهات المهاجرين وأبنائهم على الحدود بما يشمل وقف الملاحقة القانونية للوالدين، بسبب مخالفات بسيطة تتعلق بالهجرة وإعطاء الأولوية للم الشمل بين الأبناء الذين جرى فصلهم عن أسرهم.
وكذلك التراجع عن سياسات ترامب الأشد صرامة حيال اللجوء، مثل فرض قيود إضافية على كل من يسافرون عبر المكسيك أو غواتيمالا، ومحاولة منع ضحايا عنف العصابات والعنف الأسري من الحصول على حق اللجوء.
وإنهاء إعلان ترامب حالة الطوارئ الوطنية، والذي سمح له بتحويل الأموال الاتحادية من وزارة الدفاع إلى بناء جدار على طول الحدود مع المكسيك. 
وختم بايدن قراراته بإصدار أمر لإجراء مراجعة فورية لحالة وضع الحماية المؤقت للمستضعفين، الذين لا يجدون الأمان في بلدانهم التي يمزقها العنف أو الكوارث.