قبيل صعودها الطائرة التي ستقلها من لندن إلى جنوب أفريقيا لقضاء عطلتها هناك، فكّرت الأميركية «جاستين ساكو» في مشاركة أخبار رحلتها مع 200 شخص يتابعونها في «تويتر»، فكتبت تغريدة تُعدّ بمقاييس الأزمنة السابقة «غبية» على أسوأ تقدير، ثم صعدت الطائرة وأغلقت هاتفها وخلدت إلى النوم.
استغرقت رحلة الطيران 11 ساعة، تبدلت خلالها حياة «جاستين» على الأرض، بينما هي في الجو. فقد أعاد موقع شهير تغريدتها، ثم تناقلتها وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت وبرامج التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى ذيوعها في كل مكان، محدِثةً ضجةً في أميركا وسائر دول العالم، وأصدرت الشركة التي تعمل بها بياناً أكدت فيه أن تغريدتها لا تمثل قيم الشركة، وأعلنت طردها من العمل، حتى قبل أن تحطّ طائرتها وتعيد فتح هاتفها. 
كانت «جاستين» قد غرّدت قائلة: «أسافر إلى أفريقيا، أرجو ألا أصاب بمرض الإيدز هناك. أنا لا أمزح، فأنا بيضاء البشرة». واعتُبِرت التغريدة عنصرية، وهي كذلك في زمننا هذا، ففضلاً عن أن جنوب أفريقيا تتصدر قائمة الدول الأكثر إصابةً بمرض الإيدز، فإن التغريدة تشير إلى تفشي الإيدز في أوساط ذوي البشرة السوداء بالذات. 
ساهمت تقنيات التواصل الحديثة إلى حد كبير فيما تعرضت له «جاستين»، إذ تصحب التغريدة مشاعةً بين الناس بمجرد إرسالها، لكن مواقع التواصل لا تفسّر وحدها ما حصل، إذ كان يمكن أن تتعرض لكل ذلك لو كانت قد أدلت بعبارتها في إذاعة، أو نشرته في كتاب، أو حتى كتبته على جدار، وإنما الذي يفسّر قضيتها هو قيم زماننا هذا. 
ما كانت لتُعتبر عبارات «جاستين» عنصرية في أوقات سابقة، وأقله ما كانت لتتعرض للطرد من العمل، لكن ثمة وعي عالمي بات يقف بالمرصاد حتى للعبارات العفوية إن تضمنت إشارات عنصرية، وهو وعي عالمي لا يقتصر على المجتمعات الغربية. فقد أُوقف الإعلامي المصري «تامر أمين» عن العمل مؤخراً بعد أن قال كلاماً عنصرياً ضد أهل الأرياف والصعيد، وذلك في معرض النقاش في مصر حول تحديد النسل لمواجهة الزيادة السكانية. 
وفي حوار مع المستعرب الياباني «نوبوأكي نوتوهارا» منشورٌ في كتابه «العرب.. وجهة نظر يابانية»، يسأله الصحفي العربي عن الرقابة، فيقول نوتوهارا إن الرقابة في اليابان هي رقابة على الكلمات، فـ«عندما نكتب أو نترجم، لا نستطيع استعمال كلمات مثل أعمى، أعرج.. إلخ»، ثم يشرح أن كلمة «أعمى» تعدّ في التراث الياباني شتيمة، والأهم من هذا، أن عدد المعاقين في اليابان كبير، «وهم يعتبرون استعمال هذه المفردات إهانة وشتيمة لهم، ويحتجّون بقوة فيما لو استعملت، ونحن نقدّر مشاعرهم». 
ويقول «نوتوهارا» إنه عندما ترجم قصة «بيت من لحم» ليوسف إدريس، طلب منه الناشر الياباني تغيير ترجمة كلمة «أعمى»، إذ بطل القصة مقرئ أعمى، فاضطر إلى تغيير الكلمة من «أعمى» إلى شخص ليس لديه القدرة على استخدام العين بسهولة. ويضيف: هذا مضحكٌ، لكنه واقع. 
يقول الكاتب حسين شبكشي: «العنصرية تولّد التنمر، والتنمر يوصل إلى الكراهية، والكراهية تؤدي إلى التمزق الاجتماعي بأكمله».