مع تطور أزمة كوفيد- 19على مستوى العالم، تختبر الحكومات في شتى أرجاء الأرض الآن مدى كفاءة وفعالية منظوماتها لإدارة الأزمات، حيث تباينَ النجاح النسبي وعدم التوفيق على مستوى العالم، وفشلت أكبر دول العالم في إدارة الأزمة الصحية والأزمات التي تولّدت منها أو صاحبتها، ناهيك عن بعض الكوارث الطبيعية والمتغيرات الدراماتيكية للطقس في جميع قارات العالم.
وبغض النظر عن الأساليب التي أدارت بها دول العالم أزمة الجائحة بين الإغلاق الجزئي والكلي والمناطقي، وتشديد الرقابة والإجراءات والفحوصات على مناطق الفيروس الساخنة، وبين خيار إعطاء اللقاحات على نطاق واسع للسكان، أو تقديم التطعيمات للفئات التي قد تكون الأكثر عرضةً للإصابة بالفيروس والتدرّج في تطعيم باقي فئات المجتمع، نجت بعض الدول كدولة الإمارات العربية المتحدة من الحفاظ على التوازن الاستراتيجي لميزان إدارة الأزمة، والمباشرة في تفعيل خطط التعافي قبل الانتهاء من الأزمة كإجراء استباقي يعتبر سابقة في فن إدارة الأزمة، وستكون له نتائج مبهرة على المدى الطويل، خاصة أن معظم دول العالم في الوقت الحاضر عاجزة عن حتى مجرد التفكير في جهود التعافي.
وما بين خيارات عدم الإغلاق مع الأخذ بكل الإعتبارات الإحترازية الصحية والقانونية، وإحداث التوازن بين الأثر الصحي والاقتصادي والاجتماعي، أو خيار الحجر العام وإجراءات مشددة والإغلاق الكلي، أو خيار مناعة القطيع في الجانب الآخر وغيرها من الخيارات. فالمحصلة النهائية لجميع الأساليب، تكاد أن تكون متقاربة، ولا يوجد نموذج واحد نستطيع أن نقول إنه هو الأفضل! فكل دولة تعاملت مع الأزمة وفق التوجهات الحكومية لديها، والمعطيات والظروف والموارد والبنية التحتية الصحية وغير الصحية، وطبيعة اقتصادها ومجتمعها وتفاعلها مع باقي العالم والانتشار، والكثافة السكانية وطريقة عيش السكان والتعدد البشري فيها، وغيرها من الأسباب الجوهرية لخيارات كل دولة في العالم للتعامل مع الأزمة دون اغفال حزمة المخاطر والتهديدات والتحديات التي تواجهها، والفرص التي تود اغتنامها أو الاستثمار فيها. 
وقد برزت أهمية علم وفن إدارة الأزمات خلال أزمة كوفيد-19، ومدى أهمية وجود مدراء إدارة طوارئ ومدراء إدارة أزمات، ومدراء إدارة مخاطر كوارث محترفين، والتفريق في التعامل مع الطارئ والأزمة والكارثة وفق منهجيات علمية لا تقبل التأويل، مع ادخال الإبداع والإبتكار والإختراع كعامل أساسي في جعل الإدارة ذات فعالية قصوى ومستدامة وبأنماط تخطيط استراتيجي غير تقليدية، ومن المعروف أن الأزمة التي تمتد لفترة طويلة تشكل تهديداً كبيراً للعمليات والخدمات الأساسية في أي مجتمع في العالم، وتمسّ مكونات استقرار الدولة وسعادة ورضا السكان، ويمكن أن تكون لها عواقب سلبية على المدى الطويل، وترتبط الأزمات بتهديدات ذات صلة وهي: الأمن العام والسلامة العامة والصحة العامة والسلامة النفسية والعقلية، والخسائر المالية والاقتصادية، وفقدان السمعة والثقة، والضغط على البنى التحتية الحيوية بالدول كالبنية التحتية للقطاعات الطبية والذي قد يصل لإنهيارها، وارتفاع نسبة البطالة وافلاس المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وحدوث خلل في منظومة سلاسل التمويل والإمداد الاستراتيجية والخدمات والمنتجات الرئيسية، وتأثر المشاريع الاستراتيجية والتنموية والموازنات الحكومية، وفيروس كورونا على الأرجح خلق كل هذه التهديدات.
ومن جانب آخر، فإن الدول التي ماطلت في توحيد القيادة والسيطرة الوطنية لوقف انتشار الفيروس، والتي تُعد فيها الحرية الشخصية فوق المصلحة العامة، تعرضت لتداعيات كارثية، والدول الأخرى تراقب عن كثب مسار تشابك توجهات وعناصر مركز ثقل الأزمة في الداخل والخارج في تمازج نادر الحدوث، مقابل عدد لا يحصى من النقاط العمياء ونسبية المعلومات المؤكدة عن طبيعة الفيروس، والذي يحتّم جعل الجهد الوطني متماشياً مع التوجه الوطني العام في المجمل، ومدخلات ومخرجات تقع تحت رحمة إجراءات ونظم وتشريعات التخفيف من عدم اليقين والجاهزية التفاعلية والمستدامة والنيء بالنفس عن الأحكام التكهنية والرأي والقرار والتقدير الشخصي والتأويل غير المؤسسي.