تأسست منظمة التجارة العالمية التي كانت تُعرف سابقاً باسم الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (الجات)، كإحدى دعائم البنية الاقتصادية الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، إلى جانب صندوق النقد والبنك الدوليين. وتأسست المنظمة عقب اتفاقية مراكش، في 1 يناير 1995، وهي ذات عضوية دولية ويرأسها مؤتمر وزاري لجميع الأعضاء. ووفقاً لاتفاقية مراكش، يتمثل تفويض منظمة التجارة العالمية في توفير منتدى للمفاوضات، تسهيل تنفيذ وتشغيل الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف، إدارة آليات تسوية المنازعات، الرقابة متعددة الأطراف للسياسات التجارية، والتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين لتحقيق مزيد من الاتساق في السياسات الاقتصادية العالمية. وقد صُممت اتفاقية «الجات» للتخفيف من السياسات الحمائية، وإنهاء الحروب التجارية، وإزالة الحواجز أمام الصادرات والواردات. 
ومع ذلك، على الرغم من كل إنجازاتها الهائلة سابقاً في تحفيز النمو الاقتصادي الدولي، فإن منظمة التجارة العالمية في الوقت الحالي غير قادرة على إزالة الغبار الذي يطفو بشدة على استراتيجيتها داخل مبناها الأنيق على ضفة بحيرة ليمان في جنيف. ومما زاد الطين بلة أنه بسبب ما يعانيه الاقتصاد العالمي من ركود، وهو الأكبر منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، فإن التجارة الدولية تضررت بشدة من جائحة فيروس كورونا المستجد الذي تسبب في انهيار الإنتاج والمبادلات التجارية، وهو ما يعني دخول المنظمة في ركود حقيقي.
وعلى عكس معظم الهيئات الدولية، لدى المنظمة آلية لفض المنازعات، لكن بسبب المشاكل في النظام العالمي، عانت المنظمة التي تضم 164 عضواً من الأزمة بالفعل مع احتدام النزاعات التجارية، إذ اضطرت على سبيل المثال إلى تجميد محكمة الاستئناف لهيئة تسوية المنازعات بسبب الولايات المتحدة التي تعرقل تعيين القضاة منذ عام 2017، الأمر الذي يمنع تحقيق النِّصاب الذي يتطلب حضور ثلاثة قضاة.
وخاض أكبر اقتصادين في العالم ولا زالا، أعني الصين والولايات المتحدة، حرباً تجارية ضروساً، حيث فرضتا رسوماً وإجراءات متبادلة تقوض قواعد التجارة الحرة، ولم يعد أحد يخاف أحكام جهاز الاستئناف في المنظمة، لأنه قد توقف إلى حين. 
ويظن بعض الخبراء أن هذا الوضع الذي وصلت إليه المنظمة كان بسبب قرارات الرئيس السابق ترامب، لكن هذا التفسير ليس صحيحاً بالكامل، فرغم حقيقة أن ترامب تسبب في شلل منظمة التجارة العالمية عندما رفض تعيين قضاة جدد داخل محكمتها، فإن منظمة التجارة العالمية كانت في حالة سبات عميق قبل مدة طويلة من سياسة ترامب الدولية.
ومع ذلك، فإن العالم يتمتع بفرصة تاريخية جديدة يمكن أن تغير اتجاه قواعد التجارة الدولية والتأصيل لمساحة أكبر للبلدان للاستفادة الإيجابية من قواعد التجارة العالمية، وتحسين دخل شعوبها والقيام باستثمارات إيجابية قادرة على مواجهة تحديات تغير المناخ والركود الاقتصادي، خاصة بعد تعيين النيجيرية نغوزي أوكونجو-إيويلا مديرةً عامةً للمنظمة، لتكون أول امرأة وأول شخصية أفريقية على رأس هذه المنظمة. 
وأوكونجو-إيويلا تعرف عالم المال والتجارة، إذ كانت وزيرة للمالية في بلدها مرتين ثم وزيرة للخارجية. وقد باشرت مسيرتها المهنية في البنك الدولي عام 1982 لتعمل فيه مدة 25 عاماً. وتتولى هذه السيدة النيجيرية إدارة مؤسسة تعاقب عليها منذ إنشائها عام 1995 ستة رجال، هم ثلاثة أوروبيين ونيوزيلندي وتايلاندي، فضلاً عن برازيلي.
وستستفيد المديرة الجديدة من الإشارات الإيجابية التي أطلقها الرئيس بايدن بحق المنظمة، وهذا ما قد يمكنها خلال المؤتمر الوزاري المقبل للمنظمة من أن تعرض اتفاقاً حول الدعم الرسمي المقدم لصيد الأسماك والمعطل راهناً، وإعادة تشكيل هيئة فض المنازعات. أما فيما يتعلق بالمواضيع الشائكة، مثل حق الملكية، فإن ذلك سيكون صعباً مع الجشع الذي يصيب كبريات الشركات العالمية وبعض الدول أيضاً؛ فالعديد من الدول النامية تؤيد الإعفاء من براءات الاختراع، إلا أن الدول الغنية التي تضم الكثير من مختبرات إنتاج الأدوية ترى أن القواعد الحالية المنصوص عليها في اتفاق منظمة التجارة العالمية بشأن حقوق الملكية الفكرية، كافية وهذا ما يجعل من مسألة الإصلاح صعبة جداً، ناهيك عن تداعيات الصراع التجاري المستمر بين أميركا والصين، والذي يجعل من المنظمة هيئةً فاقدة لإمكانية التدخل.