أصبح من المعتاد عليه أن نشهد التعنت الإيراني في الاستجابة لأي مبادرات أو جهود، سواء من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أو من دول خارج المحيط الإقليمي، بهدف تهدئة الأوضاع المتوترة في المنطقة في الوقت الذي تنهج فيه طهران دوماً نهج إملاء الشروط المسبقة قبل أي حوار حول أمن منطقة الخليج. ولكي نُدرك المفهوم الإيراني لأمن تلك المنطقة يجب علينا التمعن في الأسس التي تضعها طهران لكي توافق فقط على التفكير في بدء ذلك الحوار. ومن أولى تلك الأسس، «تحريم تسمية الخليج بالعربي». وقد رأينا قبل أيام الاحتجاج الرسمي لوزارة الخارجية الإيرانية لدى نظيرتها الروسية عندما قامت موسكو بكتابة «الخليج العربي» في النسخة العربية التابعة لوزارة الخارجية الروسية على «تويتر» خلال لقاء نائب وزير الخارجية الروسي مع سفير العراق. ولكن هذا الأمر ليس بجديد، فقد سبق وقامت الحكومة الإيرانية في العام 2006 بحظر بيع عدد صادر من مجلة الإيكونومست تضمن اسم «الخليج» فقط، كما شهدت باريس أيضاً في نفس الفترة تقريبا احتجاجات دبلوماسية عندما قام متحف «اللوفر» بتوزيع مطبوعات إعلامية ذكر فيها أيضا اسم «الخليج» فقط. وفي العام 2011، شهدت العاصمة الأميركية واشنطن حملة خطابات ضخمة من المجلس القومي الأميركي الإيراني لوزارة الخارجية احتجاجا على إطلاق مساعد وزير الخارجية حينذاك اسم "الخليج العربي" أثناء أحد المؤتمرات الصحفية للوزارة. كما قام ذلك المجلس بنشر مقال في إحدى الصحف الأميركية حول ذلك الموضوع. 
وثاني تلك الأسس التي تستند عليها إيران في مفهومها للمنطقة، أن الجزر الثلاث التي تحتلها والتابعة أصلا لدولة الإمارات العربية المتحدة، أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، غير قابلة للنقاش وعلى دول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص وجامعة الدول العربية بشكل عام أن تعترف بالأمر الواقع وتقر بذلك الاحتلال ولا تدرجه في بنود النقاش حول أمن المنطقة، في حال حدوثه. أما الأساس الثالث، فهو عزل دول مجلس التعاون الخليجي عن محيطها العربي والدولي، واقتصار أي حوار حول أمن المنطقة على مشاركة تلك الدول فقط مع إيران، وحسب البنود التي تضعها الأخيرة. والأساس الرابع هو عدم مناقشة سياسة إيران التي تنتهجها منذ عام 1979 والتي تركز على تصدير مبادئ «الثورة الإيرانية» إلى دول الجوار.
وخامس تلك الأسس، اشتراط إيران على دول مجلس التعاون الخليجي عدم مناقشة ما تقوم به طهران من تشجيع للفتنة الطائفية في المنطقة، أو دعمها للجماعات الإرهابية ومن أبرزها جماعة «الحوثي» التي انقلبت على الشرعية في اليمن. أما سادس تلك الأسس، فهو رفض طهران مناقشة سياسة التسليح العسكري التي تنتهجها والتي تتضمن إنتاج صواريخ باليستية من شأنها تهديد دول المنطقة وأمن الملاحة في الخليج العربي. ومؤخراً، أضافت إيران أساس جديد لمفهومها حول أمن المنطقة باعتراضها على مشاركة دول مجلس التعاون الخليجي في أي مفاوضات خاصة بالاتفاق النووي قد تجري بين الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي إضافة إلى ألمانيا في عهد الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس «جو بايدن» في أعقاب انسحاب الرئيس السابق «دونالد ترمب» من ذلك الاتفاق عام 2018. 
تلك إذن هي أبرز الأسس التي يقوم عليها المفهوم الإيراني في حال إجراء حوار حول أمن منطقة الخليج العربي وهي أسس ترفض مفهوم «الآخر»، أي دول مجلس التعاون الخليجي، لذلك الأمن، الأمر الذي يجعل المنطقة تشهد استمراراً لحالة التوتر والاضطرابات.