لا نماري أو نغالي إن قلنا إن الإمارات العربية المتحدة، وقبل نحو عامين، قُدر لها أن تنشئ واقعاً معولماً جديداً، مغايراً للمصطلح الرتيب الذي تم التسويق له، والخاص بعولمة السوق ومساقات النيوليبرالية، حيث الجشع والنهم اللذان لا يمضيان من غير حد أو مد.
ما جرى على أرض الإمارات وفي فبراير 2019 أي قبل عامين، حين التقى بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر، ليوقعا وثيقة للأخوّة الإنسانية، خلقَ فضاءً رحباً إنسانيا، مخالفاً لكل النظريات الأممية البراجماتية، ففي أفق الأخوة محبات من غير ثمن، وتواصل إنساني غير مشروط، وجسور ممتدة على مرمى البصر.
والشاهد أنه حين تجعل الأمم المتحدة الرابع من فبراير من كل عام يوماً للأخوّة الإنسانية، فإن ذلك يعني أن شيئاً ما قد غيرته هذه الوثيقة في مسارات الإنسانية المعذبة مؤخراً، من جراء الصراعات الأيديولوجية والدوجمائية تارة، ومن جانب الجائحة التي وضعت الخليقة أمام مسارين لا ثالث لهما من جانب آخر، فإما إخوّة حقيقية فاعلة وناجزة، تجبر ما قد انكسر، وإما افتراق يعمق الخوف من الآخر، ويزيد من ظلمة البشرية على عتبات العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
نجحت الإمارات العربية المتحدة في إظهار أثمن في الأديان المختلفة، الاعتراف بقيمة كل إنسان باعتباره مخلوقاً مدعواً ليكون علامة تسامح وتصالح في مسيرة الانسانية، وأداة تقدم في بناء صرح الأخوة، والدفاع عن العدالة في المجتمع.
والثابت أن ديدن الإمارات كان ولا يزال، الإيمان بالحوار، كقيمة حقيقية مرجحة لكل ما هو خلاق، وقد رأت أن هدف الحوار هو إقامة الصداقة وإفشاء السلام والوئام، ومشاركة القيم والخبرات الخلقية والروحية بروح من الحقيقة والمحبة، وهذا ما مهد الطريق أمام أصحاب النوايا الطيبة والطوايا الصالحة للوصول إلى تلك الوثيقة، وبلوغ يوم الأخوة الإنسانية، كآلية من آليات تضميد جراح الكوكب الثخينة.
هل هي مصادفة قدرية أم موضوعية أن تخرج هذه الوثيقة قبل أن تضرب جائحة كورونا العالم بنحو عام تقريباً؟
لا يهم الجواب، الأهم هو أنها وجدت كائنة، وقد قدر للإمارات أن تعيش هذه الأخوةّ بنوع خاص، يفوق مقررات ومقدرات الدول الكبرى، التي أغلقت حدودها في وجه جيرانها، فيما مضت قوافل المساعدات الأخوية التي أرسى جذورها الأب المؤسس زايد الخير في أنحاء الأرض قاطبة، وإلى الحد الذي بلغت فيه قبائل في أحراش الأمازون، الأمر الذي يدلل على أن ما قامت به الإمارات ليس حدثاً بروتوكولياً أو فعلاً دعائياً، بل محاولة حقيقية لتعميق وتيرة القلب الواحد من أدنى الأرض إلى أقصاها، ومن اليمين إلى اليسار، كل واحد باسمه، وكل واحده باسمها، منتظمين في عقد المحبة الأخوية.
أدركت القيادة الإماراتية أن الاعتناء بالعالم الذي يحوطنا ويأوينا يعني الاعتناء بأنفسنا، لكننا بحاجة لأن نصبح تلك الجماعة – أي ذاك الـ «نحن»- التي تعيش في البيت المشترك، وقد أخفقت العولمة التي اعتمدت على مفاهيم الربح السريع، ومراكمة الثروات في تحقيق فكرة العقد الاجتماعي عند جان جاك روسو، أو المدينة الفاضلة عند الفارابي.
المجتمع المعولم عند توماس فريدمان يجعلنا باستمرار قريبين جسمانياً، لكنه يفرقنا روحياً، ولا يجعلنا أخوة في الروح والنفس والأهداف السامية.
يوماً تلو الآخر تثبت الإمارات أن هناك قدرة على رفض تداعيات الرأسمالية المتوحشة، والنزعات الإقصائية التي لا تقبل الآخر.
الإمارات مهدت الطريق مع بابا الكنيسة الكاثوليكية، والإمام الأكبر شيخ الأزهر لصناعة السلام في العالم من أجل الشروع في عمليات الشفاء والتلاقي ببراعة وجرأة.
*كاتب مصري