ظهر العصفور الأزرق قبل أن يتخيل ترامب نفسه في البيت الأبيض، ومع ذلك لا يمكن إنكار أنه الذي رفع أسهم «تويتر» ومنحه زخماً هائلا حتى صار أهم من منصة الأمم المتحدة، إذ رئيس أقوى دولة يعبّر من خلاله عن رؤيته، ويصدر أوامره، ويدلي بتصريحاته.
وفضلاً عن موقعه كرئيس لأميركا، فإن شخصية ترامب الجدلية المشاكسة، واستخدامه لغة غير دبلوماسية، كما فعل مع الكوري الشمالي الذي صرّح بوجود الزر النووي على مكتبه، فردّ ترامب مغرداً بأن لديه زره هو الآخر، وهو أكبر وأقوى، مضافاً إلى ذلك مدافع القضايا وتهديدات العزل التي كانت مصوبة نحوه طوال الوقت، جعلت العصفور الأزرق يتلألأ في سماء العالم لأربع سنوات غرّد خلالها ترامب، وانعكس هذا على قيمة «تويتر» تجارياً.
وليس من مصلحة الموقع -والحال كذلك- إغلاق منجم الذهب الخاص به، لكن العصفور الأزرق استحال حماراً أزرق ورفس ترامب بعد يومين من اقتحام مجموعة غوغاء مبنى الكونجرس، بحجة أن تغريدتين منه تسببتا في ذلك، وأن قوانين الموقع تناهض تمجيد العنف، رغم أنه في اليوم السابق أعلن أنه سيغادر البيت الأبيض في 20 يناير. 
وهذا العذر باهت فعلاً، فأولاً: القضاء هو الذي يقرر إن كانت التغريدات شكلت تحريضاً، خصوصاً أن طعن المرشح في نتائج الانتخابات، وخروج أنصاره في مظاهرات، أمور قانونية في بلاد الحرية والديمقراطية، بل هو نفسه واجه أربع سنوات من التشكيك في شرعيته، إلى درجة أن رئيسة البرلمان «بيلوسي» غرّدت في عام 2017، بعد انتخاب ترامب وأدائه القسم، قائلةً: إن انتخاباتنا سُرقت، وعلى الكونجرس التدخل لحماية ديمقراطيتنا!
وثانياً: لم يتحول العصفور الوديع إلى نسر جارح حين غرّد «مهاتير» عن حق المسلمين في قتل الملايين من الفرنسيين، واكتفى بحذف التغريدة في هدوء، كما أن المرشد الإيراني يتمدد في هذا الموقع عبر إفساح المجال له لإنشاء حسابات بمختلف اللغات، رغم أن «تويتر» محظور في بلاده.
هذا فضلاً عن دور «تويتر» و«فيسبوك» في الاحتجاجات العنيفة في عدد من الدول العربية، ناهيكم عن «الدواعش» الذين كانوا يسرحون ويمرحون فيه ردحاً من الزمن، وإلى هذه اللحظة توجد حسابات مؤثرة تكفّر أصحاب الأديان الأخرى، وحسابات لزعماء الجماعات الإرهابية، ناهيكم عن دعوات التحريض على العنف والتحطيم التي ملأت عالم التواصل الاجتماعي إبان احتجاجات حركة «حياة السود مهمة».. والعصفور إزاء كل هذا «عمل نفسه ميت»، لكنه هاج كالحمار لتغريدتين من ترامب ورفسه خارجاً. 
و«تويتر» مجرد مثال، إذ أن حملة قمع منظمة تعرض لها ترامب، وكذلك أنصاره، من مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، ليكون السؤال هو: ما هي حقيقة هذه المواقع؟ وهل حقاً هي شركات ربحية فحسب؟ وهل فعلاً تتحرق لإعطاء منبر لمن لا منبر له؟ وهل قامت في الواقع على غرض جميل هو التواصل الإنساني؟ وهل هذا التنسيق السريع والكبير بينها، والذي تمثل في الحظر الشامل لترامب ومؤيديه، أتى لمجرد تقارب الرؤى والأفكار بين القائمين عليها والتشابه في سياسات الاستخدام؟ وهل يمكن النظر إليها ببراءة بعد اليوم؟

*كاتب إماراتي