تعتبر المساعدات الخارجية من أهم أسلحة ترسانة الدبلوماسية الناعمة الفعّالة في تحقيق مصالح الدول، وتعزيز حضورها على الساحة الدولية والمشاركة الفعّالة في تشكيل النظام العالمي الجديد. هذه المساعدات مصدر متجدد للمساهمة في صناعة القرار، والحصول على الأولوية في استثمار الفرص المواتية في الدول، التي تقدم المساعدات لها، وهي كذلك طريقة غير مباشرة تمهّد للتحالفات والتكتلات للضغط على المنافسين الاستراتيجيين، وتهديد الدول بقطع المساعدات عنها، إذا ما عملت ضد مصالح الدول المانحة للمساعدات الإنمائية. وتطبق هذه الضغوط على المنظمات الدولية، ولا سيما أنها وسيلة تستخدم بكثرة في تطويق أو حرمان المنافس من تحقيق السبق الاستراتيجي في المناطق التي تشكل له بعداً حيوياً، حالياً أو مستقبلياً. المساعدات تظل دعامة رئيسية للدبلوماسية الصلبة والذكية والحادة في عالم سريع التغيير وبيئة استراتيجية شديدة الضبابية.
ولطالما كانت المساعدات الخارجية سلاحاً فعّالاً في يد الدول الكبرى والصاعدة، وإنْ كان الابتكار والاستدامة مغيبين عن تلك المساعدات، وأصبح التركيز منصباً على المساعدات الاستهلاكية المباشرة مقابل التنمية والنمو، الذي يجب أن يخصص له جزءاً من تلك المساعدات، وبناء البنية التحتية في الدول التي من المتوقع أن تكون أكثر حاجةً من غيرها لتلك المساعدات الإنسانية، وبالتالي التمكين الذي يتطلب شحذ أداة دبلوماسية أكثر حيويةً في ظل تقلّص الميزانيات والسياسات غير المتسقة في مواجهة تهديد جائحة كوفيد-19، وأهمية سد الفجوة بين الاحتياجات الإنسانية الملّحة والأموال المتاحة لتلبية هذه الاحتياجات، وخاصةً إذا ما تزامنت مع أزمات متنوعة، حيث غابت الاستباقية والقراءات التنبؤية الاستشرافية الدقيقة للتطورات التي تحدث في العالم اليوم، والتي قد تحدث في المستقبل القريب.
فالمؤسسات التي تخدم جهود المساعدات الإنسانية في غالبية الدول لم تطوّر المنظومة التي يعمل بها إطارها الوقائي، وتحتاج مواردها البشرية لتأهيل ونوعية تمثل إضافة لأي مؤسسة رائدة في القطاع العام أو الخاص، وخاصةً أن فيروس كورونا سيهدد قطعياً المساعدات الخارجية والحاجة الملحة لكثير من الشعوب للتعافي شبه الفوري وليس التدريجي من تبعات الجائحة، حيث تأثر المليارات من البشر ولا يزالون يرضخون تحت وطأة أنين الجائحة، وصناعات رئيسية لحياة البشر كالزراعة توقف العمل فيها بصورة مأساوية.
والتعافي الاقتصادي في جميع مناحي الحياة سترافقه صراعات ونزاعات عنيفة وغير عنيفة حتمية على المستوى الفردي والجماعي، وعلى مستوى الدول والمؤسسات مع تزايد الحاجة إلى المساعدات في جميع أنحاء العالم، حيث يواجه المانحون خيارات صعبة بشأن ما إذا كان ينبغي مواصلة مساعدة السكان المعرضين للخطر في الخارج أو تركيز اهتمامهم على الداخل؟
ومن المتوقع أن يولّد احتدام التنافس بين الدول العظمى مخاطرَ قد تؤدي إلى تقويض الليبرالية الاقتصادية وعكس مسار التنمية، وإضعاف سيادة البلدان النامية وتأطيرها حيال منافسة القوى العظمى ومواجهة الجهات الفاعلة التي تعترض على الوضع الجيوسياسي والبصمة التوسعية لها، وحتمية أن تعيد تلك الدول النظر في استراتيجياتها الكبرى، مما سيؤثر بالتأكيد على المساعدات الخارجية ويعرّضها للضغوط لتوجيهها سياسياً فقط بعيداً عن الأبعاد الإنسانية. وتباعاً سيصبح إصلاح وإعادة هيكلة برنامج المساعدات الخارجية مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بنمو الأسواق العالمية، والطلب على السلع والخدمات التي تقدمها كل دولة، والمشاركة في القيادة العالمية وضربات الردع العسكرية المسلحة وغير المسلحة، وفي نهاية المطاف تحقيق الأمن الإنساني وفق مقاييس ومفاهيم مسيّسة ونهاية نموذج التنمية الحالي من دون رجعة، حيث ستكون المساعدات الخارجية الإنمائية متداخلة مع أهداف التنمية في الداخل وموجهة نحو المنافسة الاستراتيجية، واتخاذ الخيارات الصعبة التي تضمن أن يكون تقاطع النمو الاقتصادي والهيمنة السياسية في صميم محددات التنمية الدبلوماسية كمصطلح لتغيير النهج في الإنفاق الصحي العالمي على سبيل المثال، والتركيز على تعزيز أنظمة الرعاية الصحية القُطْرية بدلاً من العمل على أساس رد الفعل حيال الأمراض على حدة، أو الاستثمار في أنظمة صحية موازية دون دمج المنظومة في نهج شامل.