ربما الصور هي التي فعلتها. فصحيح أنه من الصعب معرفة أي جوانب من الواقع تنجح في الدخول إلى فقاعة دونالد ترامب التي تزداد تقلصا – ويسعدني أن أقول إننا لن نعود مضطرين للاكتراث لما يحدث في ذهنه غير الجميل بعد 20 يناير – ولكن من الممكن أنه أصبح مدركا لمظهره وهو يلعب الغولف بينما تفقد ملايين الأسر اليائسة تعويضات بطالتها. 
وأيا يكن السبب، فيوم الأحد الماضي وقّع ترامب أخيراً على مشروع قانون إغاثة اقتصادية يمدّد، من بين أشياء أخرى، تلك المزايا لبضعة أشهر أخرى. ولكن العاطلين لم يكونوا الوحيدين الذين تنفسوا الصعداء، ذلك أن حتى التعاملات الآجلة لسوق الأسهم ارتفعت. 
وعليه، يمكن القول إن هذا العام اختتم بعرض ثان للدرس الذي كان ينبغي أن نتعلمه في الربيع: أنه إبان الأزمات، تُعتبر مساعدة الحكومة للأشخاص الذين يعانون، شيئاً جيداً، ليس بالنسبة لمن يتلقون المساعدة فقط، وإنما للبلاد برمتها. أو بعبارة مختلفة قليلاً، إن 2020 كان السنة التي ماتت فيها «الريجانية» (نسبة إلى سياسات الرئيس رونالد ريجان). 
ما أقصده بالريجانية يتجاوز «اقتصاد الشعوذة»، أي الادعاء بأن لخفض الضرائب قوة سحرية وأنه يستطيع حل كل المشاكل. فعلى كل حال، لا أحد يؤمن بهذا الادعاء باستثناء حفنة من المتوهمين، إضافة إلى كل الحزب «الجمهوري». 
كلاّ، إنني أقصد شيئا أوسع: الاعتقاد بأن مساعدة المحتاجين تأتي دائما بنتائج عكسية، وأن الطريقة الوحيدة لتحسين حيوات الناس العاديين تكمن في جعل الأغنياء أغنى وانتظار أن تصل فوائد ذلك بالتبعية إلى من هم في الأسفل. هذا الاعتقاد رسّخته مقولة رونالد ريجان المأثورة من أن أكثر كلمات إثارة للخوف في اللغة الإنجليزية هي «إنني من الحكومة، وأنا هنا لكي أقدم المساعدة». 
حسنا، ولكن في 2020 قامت الحكومة بالمساعدة – والمساعدة هي ما قامت به. 
صحيح أنه كان هناك بعض الأشخاص الذين دافعوا عن سياسات وصول الفوائد إلى الأسفل حتى في زمن الوباء. كما أن ترامب ضغط مراراً وتكراراً من أجل خفض الضرائب على الأجور، والذي ما كان ليفعل شيئا بالطبع لمساعدة العاطلين بشكل مباشر، بل إنه ذهب إلى حد محاولة تقليص جباية الضرائب عبر عمل تنفيذي -- ولكن من دون طائل. 
العداء لمساعدة الناس المحتاجين للمساعدة (على الطريقة الريجانية) استمر أيضاً. إذ كان هناك بعض السياسيين والاقتصاديين الذين ظلوا يلحون، رغم الأدلة التي تفيد بالعكس، على أن تقديم المساعدة للعمال العاطلين عن العمل يسبب البطالة في الواقع، بدعوى أنه يجعل العمال غير مستعدين لقبول عروض العمل. 
غير أنه بشكل عام – وعلى نحو صادم نوعا ما – ردّت السياسة الاقتصادية الأميركية بشكل جيد عموما على احتياجات بلد أرغمه فيروس فتاك على إغلاق الاقتصاد. ذلك أن مساعدات العاطلين وقروض الشركات التي شُطبت في حال استُخدمت في الإبقاء على أجور العمال حدّت من المعاناة. والشيكات المباشرة التي أُرسلت إلى معظم الأميركيين لم تكن أكبر سياسة استهداف على الإطلاق، ولكنها دعمت المداخيل الشخصية. 
كل هذا التدخل من قبل الحكومة الكبيرة كان ناجحاً وفعالاً. ورغم الإغلاق الذي قضى على 22 مليون وظيفة مؤقتا، إلا أن الفقر انخفض فعليا بينما استمرت المساعدة. 
ومع ذلك، لم نر أي سلبيات لذلك. فكما أسلفتُ، لم يكن هناك أي مؤشر على أن مساعدة العمال العاطلين تثنيهم عن قبول الوظائف حينما تصبح متاحة. واللافت أكثر هو أن الزيادة في التشغيل من أبريل إلى يوليو، والتي عاد فيها 9 ملايين أميركي إلى العمل، حدثت بينما كانت المزايا المحسّنة ما تزال سارية. 
كما أن الاقتراض الضخم للحكومة لم تكن له العواقب السلبية التي دائما ما يتنبأ بها منتقدو العجز. فأسعار الفائدة ظلت منخفضة، بينما ظل التضخم ثابتاً. 
وبالتالي، فإن الحكومة كانت موجودة من أجل المساعدة، وقد ساعدت الناس بالفعل. والمشكلة الوحيدة هي أنها قطعت المساعدة بشكل أسرع مما ينبغي. ذلك أنه كان ينبغي للمساعدة الاستثنائية أن تستمر طالما أن فيروس كورونا ما زال متفشيا -- وهي حقيقة اعترف بها ضمنياً استعداد كلا الحزبين لسنّ حزمة إغاثة ثانية، وموافقة ترامب على مضض في الأخير على توقيع ذاك التشريع. 
والواقع أن بعض المساعدة التي وفّرناها في 2020 ينبغي أن تتواصل حتى بعد أن تصبح لدينا عملية تلقيح واسعة النطاق. وما كان ينبغي لنا أن نتعلمه في الربيع الماضي هو أن البرامج الحكومية التي تحظى بتمويل كاف تستطيع تقليص الفقر بشكل كبير. فلماذا ننسى هذا الدرس حالما ينتهي الوباء؟ 
بيد أنني حينما أقول إن الريجانية ماتت في 2020، فإنني لا أقصد أن المشتبه بهم المعتادين سيكفّون عن الدفع بالحجج المعتادة. ف«اقتصاد الشعوذة» مترسخ بشكل جد عميق في الحزب «الجمهوري» (الذي وجد أنه من المفيد للمانحين الأغنياء الساعين وراء خفض الضرائب) حتى تمحوه الحقائق المزعجة؟ 
إن معارضة مساعدة العاطلين لم تكن أبدا مبنية على الدلائل، فقد كانت تعزى دائما إلى خليط من النخبوية والعداء العرقي. ولهذا، فإننا سنظل نسمع عن إعجاز قدرة خفض الضرائب وشرور دولة الرفاه الاجتماعي.
غير أنه إذا كانت الريجانية ستظل موجودة، فإنها ستكون، وأكثر من أي وقت مضى، «ريجانية زومبي» – أي، عقيدة كان ينبغي أن تُقتل عند لقائها مع الواقع، حتى وإن كانت ما تزال بيننا، تأكل أدمغة السياسيين. 
فدرس 2020 هو أنه في زمن الأزمات، بل وحتى في الأزمنة الهادئة، إلى حد ما، تستطيع الحكومة الأميركية فعل الكثير من أجل تحسين حياة الناس. وأكثر ما ينبغي أن نخشاه هو حكومة ترفض القيام بواجبها. 
كاتب وأكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2020/12/28/opinion/reagan-economy-covid.html
 
 
264x157 
595.79KB
 
  
 
  
 
  
 
  
 
  
 
 
 
 
Name: 1296352
Publication: الاتحاد
Section: وجهات نظر
Size: 880 Words
Placed on Page
Page: 28
0
Issue Date : 02-01-2021
 
 
 
2020.. عام موت «الريجانية»
 
بول كروجمان
 
بول كروجمان* 
ـ ـ ــ. ـ ـ
درس 2020 أنه في زمن الأزمات تستطيع الحكومة الأميركية فعل الكثير لتحسين حياة الناس. وأكثر ما نخشاه هو حكومة ترفض القيام بواجبها. 
ـ ـ ـ ـ ـ ـ
بول كروجمان* 
ـ ــ ـ ـ ـ ـ
ربما الصور هي التي فعلتها. فصحيح أنه من الصعب معرفة أي جوانب من الواقع تنجح في الدخول إلى فقاعة دونالد ترامب التي تزداد تقلصا – ويسعدني أن أقول إننا لن نعود مضطرين للاكتراث لما يحدث في ذهنه غير الجميل بعد 20 يناير – ولكن من الممكن أنه أصبح مدركا لمظهره وهو يلعب الغولف بينما تفقد ملايين الأسر اليائسة تعويضات بطالتها. 
وأيا يكن السبب، فيوم الأحد الماضي وقّع ترامب أخيراً على مشروع قانون إغاثة اقتصادية يمدّد، من بين أشياء أخرى، تلك المزايا لبضعة أشهر أخرى. ولكن العاطلين لم يكونوا الوحيدين الذين تنفسوا الصعداء، ذلك أن حتى التعاملات الآجلة لسوق الأسهم ارتفعت. 
وعليه، يمكن القول إن هذا العام اختتم بعرض ثان للدرس الذي كان ينبغي أن نتعلمه في الربيع: أنه إبان الأزمات، تُعتبر مساعدة الحكومة للأشخاص الذين يعانون، شيئاً جيداً، ليس بالنسبة لمن يتلقون المساعدة فقط، وإنما للبلاد برمتها. أو بعبارة مختلفة قليلاً، إن 2020 كان السنة التي ماتت فيها «الريجانية» (نسبة إلى سياسات الرئيس رونالد ريجان). 
ما أقصده بالريجانية يتجاوز «اقتصاد الشعوذة»، أي الادعاء بأن لخفض الضرائب قوة سحرية وأنه يستطيع حل كل المشاكل. فعلى كل حال، لا أحد يؤمن بهذا الادعاء باستثناء حفنة من المتوهمين، إضافة إلى كل الحزب «الجمهوري». 
كلاّ، إنني أقصد شيئا أوسع: الاعتقاد بأن مساعدة المحتاجين تأتي دائما بنتائج عكسية، وأن الطريقة الوحيدة لتحسين حيوات الناس العاديين تكمن في جعل الأغنياء أغنى وانتظار أن تصل فوائد ذلك بالتبعية إلى من هم في الأسفل. هذا الاعتقاد رسّخته مقولة رونالد ريجان المأثورة من أن أكثر كلمات إثارة للخوف في اللغة الإنجليزية هي «إنني من الحكومة، وأنا هنا لكي أقدم المساعدة». 
حسنا، ولكن في 2020 قامت الحكومة بالمساعدة – والمساعدة هي ما قامت به. 
صحيح أنه كان هناك بعض الأشخاص الذين دافعوا عن سياسات وصول الفوائد إلى الأسفل حتى في زمن الوباء. كما أن ترامب ضغط مراراً وتكراراً من أجل خفض الضرائب على الأجور، والذي ما كان ليفعل شيئا بالطبع لمساعدة العاطلين بشكل مباشر، بل إنه ذهب إلى حد محاولة تقليص جباية الضرائب عبر عمل تنفيذي -- ولكن من دون طائل. 
العداء لمساعدة الناس المحتاجين للمساعدة (على الطريقة الريجانية) استمر أيضاً. إذ كان هناك بعض السياسيين والاقتصاديين الذين ظلوا يلحون، رغم الأدلة التي تفيد بالعكس، على أن تقديم المساعدة للعمال العاطلين عن العمل يسبب البطالة في الواقع، بدعوى أنه يجعل العمال غير مستعدين لقبول عروض العمل. 
غير أنه بشكل عام – وعلى نحو صادم نوعا ما – ردّت السياسة الاقتصادية الأميركية بشكل جيد عموما على احتياجات بلد أرغمه فيروس فتاك على إغلاق الاقتصاد. ذلك أن مساعدات العاطلين وقروض الشركات التي شُطبت في حال استُخدمت في الإبقاء على أجور العمال حدّت من المعاناة. والشيكات المباشرة التي أُرسلت إلى معظم الأميركيين لم تكن أكبر سياسة استهداف على الإطلاق، ولكنها دعمت المداخيل الشخصية. 
كل هذا التدخل من قبل الحكومة الكبيرة كان ناجحاً وفعالاً. ورغم الإغلاق الذي قضى على 22 مليون وظيفة مؤقتا، إلا أن الفقر انخفض فعليا بينما استمرت المساعدة. 
ومع ذلك، لم نر أي سلبيات لذلك. فكما أسلفتُ، لم يكن هناك أي مؤشر على أن مساعدة العمال العاطلين تثنيهم عن قبول الوظائف حينما تصبح متاحة. واللافت أكثر هو أن الزيادة في التشغيل من أبريل إلى يوليو، والتي عاد فيها 9 ملايين أميركي إلى العمل، حدثت بينما كانت المزايا المحسّنة ما تزال سارية. 
كما أن الاقتراض الضخم للحكومة لم تكن له العواقب السلبية التي دائما ما يتنبأ بها منتقدو العجز. فأسعار الفائدة ظلت منخفضة، بينما ظل التضخم ثابتاً. 
وبالتالي، فإن الحكومة كانت موجودة من أجل المساعدة، وقد ساعدت الناس بالفعل. والمشكلة الوحيدة هي أنها قطعت المساعدة بشكل أسرع مما ينبغي. ذلك أنه كان ينبغي للمساعدة الاستثنائية أن تستمر طالما أن فيروس كورونا ما زال متفشيا -- وهي حقيقة اعترف بها ضمنياً استعداد كلا الحزبين لسنّ حزمة إغاثة ثانية، وموافقة ترامب على مضض في الأخير على توقيع ذاك التشريع. 
والواقع أن بعض المساعدة التي وفّرناها في 2020 ينبغي أن تتواصل حتى بعد أن تصبح لدينا عملية تلقيح واسعة النطاق. وما كان ينبغي لنا أن نتعلمه في الربيع الماضي هو أن البرامج الحكومية التي تحظى بتمويل كاف تستطيع تقليص الفقر بشكل كبير. فلماذا ننسى هذا الدرس حالما ينتهي الوباء؟ 
بيد أنني حينما أقول إن الريجانية ماتت في 2020، فإنني لا أقصد أن المشتبه بهم المعتادين سيكفّون عن الدفع بالحجج المعتادة. ف«اقتصاد الشعوذة» مترسخ بشكل جد عميق في الحزب «الجمهوري» (الذي وجد أنه من المفيد للمانحين الأغنياء الساعين وراء خفض الضرائب) حتى تمحوه الحقائق المزعجة؟ 
إن معارضة مساعدة العاطلين لم تكن أبدا مبنية على الدلائل، فقد كانت تعزى دائما إلى خليط من النخبوية والعداء العرقي. ولهذا، فإننا سنظل نسمع عن إعجاز قدرة خفض الضرائب وشرور دولة الرفاه الاجتماعي.
غير أنه إذا كانت الريجانية ستظل موجودة، فإنها ستكون، وأكثر من أي وقت مضى، «ريجانية زومبي» – أي، عقيدة كان ينبغي أن تُقتل عند لقائها مع الواقع، حتى وإن كانت ما تزال بيننا، تأكل أدمغة السياسيين. 
فدرس 2020 هو أنه في زمن الأزمات، بل وحتى في الأزمنة الهادئة، إلى حد ما، تستطيع الحكومة الأميركية فعل الكثير من أجل تحسين حياة الناس. وأكثر ما ينبغي أن نخشاه هو حكومة ترفض القيام بواجبها. 
كاتب وأكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2020/12/28/opinion/reagan-economy-covid.html
 
 
264x157 
595.79KB