ما يمثله السودان ودولة جنوب السودان وإثيوبيا للعالم من أهمية لا تقتصر على وفرة المصادر الطبيعية ووفرة المخزون من الثروات غير المكتشفة ومياه النيل بتقسيماته وفروعه فقط، ولكن كذلك الأهمية الإستراتيجية للتجارة العالمية، حيث إنه من المهم أن تكون منطقة البحر الأحمر مستقرة، كما يلمس أمن هذه الدول بأسلوب مباشر وغير مباشر الأمن العربي، وخاصةً ما تمثله السودان من أهمية لدول عربية كبرى، حيث تُعد السودان العمق الاستراتيجي الطبيعي لها، كما أن استقرار السودان ونظام الحكم فيه يعدّ جزءاً من استقرار الحكم في تلك الدول. الآن تتحرك قطع الشطرنج السياسي والدبلوماسي والعسكري والمائي والغذائي ويظهر ملف الطاقة في إدارة الأزمات، من خلال وضع المنافسين الاستراتيجيين تحت المحك، وخاصةً أن أثيوبيا ليست وحيدة في صنع القرار، الذي يمثل ضغوطاً كبيرة على منافسين استراتيجيين لدول أخرى في العالم والشرق الأوسط على حد سواء. وهناك من يحاول اللعب على التناقضات والتقاطعات بما يخدم التحالفات والتكتلات. وربما تتجه التحليلات إلى المساومة في ملف «سد النهضة»، من خلال تصعيد الخلاف الحدودي، والضغط على السودان لتقديم بعض التنازلات، والتلويح بأزمة إنسانية ستواجه السودان. 
فالتوتر الحدودي بين الدولتين لطالما كان تحت السيطرة، بالرغم من كثرة المناوشات والأحداث، التي لا ترتقي لصراع مؤثر. وجذور الخلاف الحدودي بين السودان وإثيوبيا تعود إلى أبعد من الدولة المهدية في نهاية القرن التاسع عشر. والنار تحت الرماد لا تزال مشتعلةً- مع الأخذ بعين الاعتبار التوترات الراهنة بإقليم «تيغراي»، ومخاطر الضلوع في حرب استنزاف والقيام بعمليات عسكرية في اتجاهين: بالداخل نحو إقليم «أمهرة»، وللخارج نحو إريتريا في الشمال. وربما أن إثيوبيا في الوقت الحاضر، قد يكون عدم التعاون في ملف الحدود وسيلة ضغط وكموازن تكتيكي في الصراع الداخلي، وخاصةً أن الداخل الإثيوبي منقسم حيال ملف الحدود، حيث يرى أبناء قومية «الأمهرة» أن أراضيهم التاريخية تمتد إلى ولاية الجزيرة وسط السودان.
فالصراع يمتد بين القوى الكبرى في العالم، ويشمل صراع المقايضة بين الذهب الأزرق (النيل) مقابل الذهب الأسود (النفط)، والسماح لتركيا وقريباً لروسيا ببناء قاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر السوداني، يصب في هذا الإطار، وهو ما يشكل ضغطاً على الجانب الأميركي الذي سيُحول دفة الصراع لمياه الخليج العربي، ويضغط من تلك النافذة، ويتحدى إرث التعاون العسكري الروسي السوداني، وستبرز تكتلات مؤقتة تتشكل لغرض ومهمة عرقلة الجانب الروسي والصيني والصراع غير خفي، حيث تؤيد أميركا تعيين دبلوماسي فرنسي لقيادة بعثة الأمم المتحدة في السودان، بينما تحتج موسكو وبكين، حيث إن مشاريع الدولتين الكبرتين تعتبر مواقع مشاريع الطاقة الكهرومائية التي يجري بناؤها أو تشغيلها حالياً في السودان وإثيوبيا، والثروات في المنطقة مهمة لمشاريعها المستقبلية، وكذلك للدول العربية، التي استثمرت في إثيوبيا والسودان بعد الأزمة المالية في عام 2008، وما حدث في المحاصيل الرئيسية في العالم، وهو يقيناً لأهمية الارتباط الوثيق في صنع القرار الاستراتيجي العربي، والذي تمثل السعودية والإمارات مركزية الجذب فيه.