لعل الكثير يتساءلون مخلصين التساؤل والبحث عن الجواب :«كيف سيكون حال ومآل العلاقات الأميركية الإماراتية في عهد الرئيس «الديمقراطي» القادم جوزيف بايدن؟
الشاهد أنه ربما لم تكن العلاقات بين الإمارات وأميركا أقوى وأمتن، بل أنفع وأرفع، في أي وقت سابق كما هي اليوم، لا سيما في ضوء السياسات العقلانية التي تتمتع بها الإمارات وقيادتها وريادتها لمرحلة جديدة من الأمن والاستقرار في منطقة عاشت طويلاً ملتهبة. تدرك الإدارة الأميركية القادمة أن الإمارات حجر زاوية مهم ورئيس في المنطقة، لا سيما وأن هناك قوى إقليمية لا تزال تلعب دور صانع الاضطرابات في الخليج العربي والشرق الأوسط.
وبالقدر نفسه يعرف أركان إدارة الرئيس القادم، أبعاد التجربة التنموية فائقة المهارة التي أسستها الإمارات، وأصبحت من بعدها مثالاً للخروج من دائرة الاخفاقات الاقتصادية التقليدية، الأمر الذي يُولّد الأمل في العقول والقلوب، وما يجعل مسارب اليأس ومسارات التطرف، تضيق إلى حد الانمحاء مرة وإلى غير رجعة.
استطاعت الإمارات في 2020 أن تقدم نموذجاً سياسياً قادراً وقاهراً، أما المقدرة فظهرت من خلال التجاوب الإيجابي الخلاق مع نداء السلام ، وقاهراً لافكار الخصام وتجاوز الأحقاد التاريخية، ومحاولة فتح آفاق من الحياة أمام الأجيال القائمة والقادمة، عسى يكون حظها من الحياة أفضل من حظوظ من سبقها، ومن هنا جاء الاتفاق الإبراهيمي، والذي أنهى عقوداً طوال من المقاطعة مع إسرائيل.
تبدو الإمارات في عيون إدارة بايدن، قابضة على جمر الأصالة، والحفاظ على العلاقات والوشائج الإنسانية، وبخاصة مع الأشقاء العرب، وتبينت هذه الأصالة في استنقاذ ما تبقى من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، ووقف خطة الضم التي كان يخطط لها رئيس الوزراء الإسرائيلي، ما يعني أنها ومن جديد لاعب أساسي في أي عملية سلام قادمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ما يمكن أن يُسهّل مهمة بايدن في تلك المنطقة عما قريب، بل ويزيد من فرص نجاحاته، وتحقيق حلم إنهاء النزاع، ليكتب الرئيس الأكبر سناً في تاريخ رؤساء أميركا اسمه في سجل القياصرة الأميركيين دون أدنى شك.
ترى إدارة بايدن في الإمارات واحة حقيقية للتسامح الديني والمذهبي والطائفي، تسامح تشير إليه مسيرتها عبر السنوات الماضية، ويترسخ يوماً تلو الآخر في إطار من الاحترام الكامل لكل مواطن أو مقيم، ورغبته الحقيقية في أن يعبد ما يشاء، أو يؤمن بما يعتقد، وهذا أمر جليل في أعين الأميركيين، والإمارات أقبلت عليه بقناعات ذاتية، وقبل أن تنتظر مكافأة أو ثواباً من أحد.
تبدو اختيارات بايدن لأعضاء إدارته يغلب عليها انتقاء عناصر تتسم بالوسطية والصلابة، ومن بين أصحاب الخبرة والكفاءة، وهولاء يدركون بالفعل أهمية حلفاء أميركا حول العالم بشكل عام، وفي منطقة الخليج العربي بنوع خاص، ولديهم المقدرة على تقييم موقع وموضع الإمارات وأهميتها في إطار جيوبوليتكي أممي متحرك.
ولعل تصريحات «بايدن» تجعلنا نتوقع بأنه يضع مسألة التشاور مع الأصدقاء في مقدمة منطلقاته، وأنه لن ينحو إلى أي حلول للقضايا الشائكة من غير تشاور مع الأصدقاء، وهنا تصبح الإمارات مرشحة بالفعل لمزيد من الأدوار الإيجابية والخلاقة، في طريق شروق فجر جديد من السلام والأمن، والتنمية والاستقرار عربياً وشرق أوسطياً. هل يعني ذلك أنها ستكون علاقات متطابقة إلى حد التماثل؟ الوعي والنضج السياسيين يخبرانا بأن هذا النموذج لا يوجد في عالم الواقع بين أقرب حليفين فيما المهارة تتجلى في صياغة أكبر قدر من التوافق، حتى وإنْ ظلت هناك هوامش من اختلاف الرؤى السياسية كعلامة على صحة العلاقة بين الطرفين.
*كاتب مصري