صحيح أن المتاجرين بالدين من كل الأطياف بدأوا يفقدون بريقهم، كما تتناقص حدود قدراتهم القديمة على الخداع وتسويق خطابهم المتهالك، حيث تم كسر إطار الصورة التقليدية التي كان المتاجرون بالدين وشعارات الممانعة يستخدمونها، وأصبحنا نرى تحول تيارات الإسلام السياسي إلى أدوات لتخريب أمن الشعوب واستثمار الحروب لممارسة التوحش باسم الدين.. وتشترك في هذا التوجه الجماعات الموالية لإيران وتلك التابعة لتنظيم «الإخوان» ومَن يمولهم.
وإذا كانت مخلفات «الإخوان» وتفريخاتهم تسعى إلى تخريب أمن واستقرار المجتمعات من أجل خلق الفوضى للوصول إلى الحكم والسيطرة على منابع الثروات، فإن إيران بأذرعها المذهبية تسعى إلى استخدام التشيع السياسي كسلاح لاختراق الشعوب والجاليات الإسلامية في دول المهجر بهدف تمزيقها مذهبياً وطائفياً.
ومن المؤكد طبقاً لشواهد عديدة نراها باستمرار في الواقع، أن الحالة الإسلاموية الحركية في الشرق الأوسط بشكل عام تعد تعبيراً عن الفشل في مواجهة المستقبل واستحقاقاته المتجددة، مما يتناقض مع حقيقة استخلاف الإنسان في الأرض ودوره الطبيعي المفترض في البناء والتعمير والتطور الإنساني، بينما اتجهت الحركات المتطرفة بشقيها السني والشيعي، نتيجة لفشل المنظرين التابعين لها، إلى التقوقع والركود وعدم المقدرة على تجاوز منظومة التراث التقليدي. وبدلاً من التنوير والتجديد حدث استرخاء جماعي واستسلام لطوباوية إسلاموية تسعى إما لإعادة إحياء الخلافة بحسب رؤية الإخوان أو لمنح «الولي الفقيه» سلطة ثيوقراطية مطلقة طبقاً للتيارات التي تتزعمها وتمولها إيران. وفي هذه الحالة لا فرق بين التوجهين إلا في تفاصيل صغيرة، بينما يشتركان في احتكار الخطاب المقدس ومن ثم في حشد المجتمعات تحت لواء ذلك الخطاب بعد احتكاره ومصادرته واستثمار نصوصه لتبرير الهيمنة ونشر الخرافات ومصادرة العقل.
ونجد في التجربتين العراقية والسورية مساحة ميدانية ملائمة لدراسة خطر التغلغل الإيراني في المجتمعات العربية، من خلال ملاحظة كيف يثمر ذلك التغلغل طائفية واضحة، لديها محفزات كثيرة لنشر الكراهية وتقسيم الشعوب. 
التغلغل الإيراني قائم على مبدأ تصدير أفكار ثورة الولي الفقيه، بمعنى أن إيران لا تتحرك سياسياً ودينياً باعتبارها دولة عصرية ترسم علاقاتها الدولية مع الآخرين بأداء دبلوماسي عقلاني كباقي دول العالم، بل تتحرك وتنشط في السياسة الدولية وفي أوساط الشعوب لخدمة مشروعها العقائدي الطائفي الذي يقوم على الرغبة في إيجاد نفوذ مذهبي موال لها بالدرجة الأولى.
منذ عام 1979 الذي شهد قيام «الثورة الإيرانية» ضد حكم الشاه، سيطر الملالي على الثورة وقاموا بإقصاء القوى العلمانية والليبرالية التي شاركت في التغيير، وعمل الخميني مع أتباعه على احتواء مخرجات «الثورة»، محوِّلاً إيران إلى دولة دينية طائفية. ومنذئذ قررت إيران عبر نظام رجال الدين أن تجعل من نفسها الممثل الرسمي للتشيع السياسي العالمي والناطق باسم الشيعة في العالم بغية تحويلهم إلى قنابل موقوتة في بلدانهم. ولم يتوقف رجال الدين في إيران عن مبدأ تصدير الثورة، لذلك انتقل التشيع بعد الثورة الإيرانية من خانة المذهب الفقهي إلى خانة المذهب المتسلح بنظام حكم يدعو دستوره صراحة إلى التمدد ونشر الثورة وتسييس التشيع وتسليحه عالمياً.
لا أحد ينكر أن الثنائية المذهبية (سنة/شيعة) حقيقة قائمة بذاتها في العالم الإسلامي، لكنه كانت دائماً على قاعدة التعدد والتنوع الذي تعتبره النخبة المنفتحة عاملاً لإغناء الفكر الإسلامي ولدفعه إلى الاجتهاد والقبول بالاختلاف الإيجابي المثمر.