دأبت دول العالم دون استثناء منذ ما يقارب السنة، على المشاركة في أكبر حدث يصادفها، ساعيةً لإنقاذ بني البشر، لتقف على كفة «الإنسان»، مجابهةً ومصارعةً بما تحمله الكفة الثانية من تداعيات جائحة «كوفيد-19»، والتي دفعت بالعديد من الفيروسات الأخرى، سواء الفيروسات التي تستهدف جهاز المناعة أو المنظومة الفكرية أو غيرها، والتي كانت ولا تزال تتغلغل بين المجتمعات، لتطفو عبر ظرف هذه الجائحة على السطح، ولتصبح صورة العالم بشكل إجمالي اليوم، صورة واضحة ومكبرة جداً للصراع بين الحق والباطل، بين الخير والشر، هذا الصراع الذي لا مفر منه إلا من خلال المواجهة. 
وقد تعددت ردود الفعل المتَّخذة من قبل الدول ومؤسساتها، لتثبت مدى فاعليتها وكفاءتها، وذلك من خلال اعتماد مجموعة من الإجراءات الاحترازية، وإصدار جملة من القرارات الضابطة للتعامل خلال هذه الأزمة. وفي ذات الوقت، فقد تكشّفت للعالم مواطن الضعف ونقاط القوة المرتبطة بالوجود الإنساني ككل، كما أوجدت هذه الأزمة العوامل والمعطيات المبعثرة التي لم يتنبه لها الإنسان، مشيرةً إلى وسائل الاستفادة منها ضمن أمثل السبل، مغطيةً حوائج إنسانية في صورتها «الملحة» مع ظرفيتها الزمانية والمكانية. 
ومما لا شك فيه أن وحدة الإنسان ومشتركاته التي تسمو على ما سواها، اختصرت أكثر من نصف المساحة على الإنسان ليتغلب على أقسى التحديات التي كان يصارعها قبل صعود فيروس كورونا إلى «الحلبة»، من إرهاب وتطرف وجوع وفقر وتلوث بيئي.. إلخ. ذلك أن الوسائل متاحة، لكن الآليات غير واضحة، والمقصود هو أن حل المشاكل الإنسانية كافةً ينطلق من الأخلاق والأخلاقيات التي تتوافق وتتناغم في مجملها وبلا شك مع الفطرة الإنسانية «الأصيلة»؛ فسواء أكانت الدعامات والجذور «الأخلاق»، أو مخرجاتها من «الأخلاقيات» التي تعني الوثيقة المحددة للمعايير الأخلاقية والسلوكية المطلوب اتباعها ضمن سياق مهني محدد من كافة من ينتمون ويتبعون لها.. فإنها كلها تتعاضد من أجل تحقيق خير الإنسان، وهذا ما دعت له كافة الأديان السماوية وحثت عليه، واضعةً «الإنسانية» لبنة أولى ترتكز عليها كافة الأخلاقيات. يقول العلامة علال الفاسي: «لا بد من أن يكون الإسلام فيما جاء به ضامناً لسدّ الحاجيات التي يتوقف عليها الإنسان لتكون مدنيته كإنسان، ولذلك فلن تجد في الشريعة الإسلامية شيئاً منافياً للفطرة الإنسانية.. وإذا قلنا إن الإنسانية مجبولة على حب مَن أحسن إليها، فلا بد أن يكون الإسلام الذي هو دين الفطرة مقِرّاً لهذه الجبلّة الإنسانية وفارضاً وجوب شكر المنعِم. وإذا قلنا إنها مجبولة على بغض المسيء، فلا بد من تحريم التشريع للإساءة». ومن ذلك فقد جبلت الفطرة الإنسانية بالأخلاقيات وانطلقت منها.
واليوم، لا يختلف اثنان على ضرورة الاستفادة من معطيات «الأزمة العالمية» التي ستؤسس للمرحلة «الأكثر قوة» القادمة، في التعامل مع متطلبات الأزمة، وبناء خطط عالمية ووطنية ذات مقياس جودة عالية، والانطلاق من مرتكزات جماعية في التصدي لأي تحد من خلال استراتيجيات «إدارة الأزمة»، بحيث تكون الإدارة محكمة ومتقنة وشاملة لما تستدعيه أوقات الطوارئ، وقادرة على استثمار الطاقات ودعم قطاعات المواجهة بالقوة المادية والمعنوية.. درءاً لكافة المخاطر، وإنجاحاً لكافة الأهداف الوطنية لكل دولة، وخروجاً بثمرة جديدة ناضجة ومحفزة على الاستمرار في النهوض والعطاء، من خلال تكوين «وعي مجتمعي» قادر على امتلاك الأدوات والآليات، وعلى التعامل مع المستجدات بمسؤولية عالية وسلوك متزن ومهنية راسخة.
إن الجائحة عالميةَ المستوى والانتشار والتحدي، وضعت الإنسانَ في أزمة كبرى، إذ حملت في جعبتها عدة أزمات متصلة ومترابطة، وهذا ليس بغريب على الإنسان وهمومه، ذي العلاقات المتبادلة والمتشابكة. 
إن جائحة كورونا طرحت على الإنسان عدة تساؤلات، كان سؤال الأخلاق أقواها صدى، حيث قطعت الشك باليقين فيما يتعلق بضرورة التجديد القيمي والأخلاقي باعتباره ضرورة أساسية، لا رفاهية ثانوية، فالعالم اليوم أصبح يسرع من خطاه نحو التضامن والاتحاد والتعاون والمشاركة، من خلال تعاقد أطرافه على حلف فضول جديد، يتناغم والنظام العالمي الجديد القادم.