تترافق احتفالات اليوم الوطني في الدولة مع الإعلان عن قرارات وتوجهات جديدة في كافة المجالات تتناسب ومرحلة التطور والتحديات المستجدة، وهو ما يتيح ديناميكية مرنة تستجيب للتغيرات الاقتصادية والإقليمية والدولية. والحال، أنه يصعب رصد كافة هذه القرارات والتوجهات في مقالة مختصرة، إلا أن تناول بعض السياسات الاقتصادية التي ترافقت مع احتفالات هذا العام، ربما يعطي نبذة مختصرة عما جاء في ديباجة هذه الأسطر، فقد صدر على سبيل المثال المرسوم الرئاسي بتعديل قانون الشركات لتطوير البيئة التشريعية للسماح للمستثمرين الأجانب بتأسيس الشركات وتملكها بشكل كامل دون الحاجة لاشتراط جنسية معينة، كما تم إلغاء الشروط التي تلزم الشركات الأجنبية الراغبة في فتح فرع لها في الدولة، بأن يكون لها وكيل إماراتي، بالإضافة إلى بعض التفاصيل الخاصة بالحوكمة وغيرها من القضايا ذات الصلة. ويعبّر هذا القرار عن توجه جديد في مجال الاستثمار لاستقطاب المزيد من الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية، وما يرافقها من استيراد للخبرات والتقنيات المتقدمة وإمكانية اكتساب المواطنين لهذه التقنيات.

لقد كان التشريع السابق الذي يشترط الشريك المواطن يتناسب وبدايات تأسيس الدولة، إذ لم يكن غياب الخبرة لدى المواطنين يسمح بفرص متساوية مع المستثمرين الأجانب الذين امتلكوا الخبرة والدراية بشؤون إدارة الأعمال، كما أن أوضاع الاقتصاد الدولي كانت مقيَّدة بتشريعات تحد من انتقال الاستثمارات والتجارة.

الوضع السابق، رغم إيجابياته في وقته، إلا أن الزمن تجاوزه وتولَّد عنه نوع من الاتكالية، وهو ما أُطلق عليه «الشريك النائم»، إذ أن كل ما يحصل عليه الكفيل أو الشريك المحلي بعض فتات الأرباح، في حين لا يدخل معترك العمل والإدارة، حيث تحضرني في هذا المجال بدايات تأسيس إدارة البحوث الاقتصادية بالمصرف الصناعي منتصف الثمانينيات، حين قمنا بأكثر من 50 زيارةً لعدد من المؤسسات الصناعية في كافة إمارات الدولة ومقابلة القائمين عليها لتقديم دراسة خرجت بالعديد من الاستنتاجات، كان منها أن أكثر المؤسسات نجاحاً، هي تلك المؤسسات التي تدار من قبل أصحابها، أما أكثرها تعثراً فهي التي تدار من قبل الغير، والتي على ضوئها اتخذت سياسات لتركيز التمويل على المشاريع التي يديرها المواطنون بأنفسهم مع إمكانية استفادتهم من الخبرات الأجنبية متى ما كان ذلك ضرورياً.
الملاحظ أن التغيرات التي حدثت في العقود الماضية أوجدت قطاعاً كبيراً من رجال الأعمال المواطنين المؤهلين بصورة عالية، والقادرين على إدارة أعمالهم بصورة مهنية ومربحة، مما يعني قدرتهم على المنافسة وإيجاد أسس صحيحة للتعاون مع المستثمرين الأجانب من خلال شراكة حقيقية وليست «نائمة»، ذلك بالإضافة إلى التغيرات الهائلة التي شهدها الاقتصاد العالمي وانفتاح الكثير من الدول المغلقة في السابق، مما أدى إلى احتدام المنافسة الاقتصادية والتجارية، وأوجد فرصاً أكبر لانتقال الاستثمارات.
هذه التحولات تجعل من الصعب العمل بتشريعات سُنَّت قبل نصف قرن، وهنا بالذات نذكر بما ذهبنا إليه في بداية المقالة حول ديناميكية الإدارة الإماراتية وسرعة تحركها للاستجابة للمتغيرات المحلية والخارجية، باعتبارها أحد أهم أسباب نجاحها وتطورها المستمر.
هذا المرسوم، هو مثال آخر للحركة الدائمة الرامية إلى التغيير للسير نحو الأفضل، إذ تم اتخاذ قرارات أخرى ستكون لها انعكاسات إيجابية على النمو الاقتصادي والاجتماعي ورفع مستويات المعيشة وحماية المصالح الحيوية للدولة، مما يعني أن الاحتفال باليوم الوطني يشكل كل عام إضافات جديدة للبنية المجتمعية للدولة، تعزز من مكانتها وموقعها بين الدول.