في الوقت الذي كان فيه سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، يشدّد على أنّ «الهولوكوست» لن يتكرر مطلقاً، كان قادة وزعماء دول إسلامية يستخفون بأرواح الملايين، ويقارنون بين موقف فرنسا في تجريمها إنكار هذا العذاب البشري الموثق بالأسماء والأدلة، وعدم تجريمها الإساءة إلى المعتقدات الدينية! 

وكان الشيخ عبدالله بن زايد قد شدّد على أنّ الهولوكوست لن يتكرر مطلقاً، وذلك أثناء زيارته للنصب التذكاري لهذه الجريمة الكبرى في العاصمة الألمانية برلين الشهر الماضي، وهو النصب الذي يخلّد ذكرى حوالي 6 ملايين يهودي أبيدوا بشكل جماعي خلال الحرب العالمية الثانية، ويوثق الفظائع التي ارتكبت في حق اليهود على أيدي النظام النازي. 

موقف الإمارات من الهولوكوست، هو أنّ مثل هذه الفظائع مدانة بقطع النظر عن أي أمر آخر، فهي مجزرة هائلة حدثت في لحظة سقوط الإنسانية في اختبار الضمير والأخلاق والواجب، ولا يجب أن تحدث مجدداً في أي جماعة من الناس بسبب هويتهم.

أما الباحث عن الزعامة الإسلامية الرئيس التركي أردوغان، ومعه قادة آخرون كمهاتير محمد، فقد شنوا بالتزامن والتتابع هجوماً على فرنسا بسبب قضية الرسومات المسيئة لنبي الإسلام، وعمليات الانتقام بالقتل التي وقعت في أوروبا بسبب ذلك، وتشديد الرئيس الفرنسي على حق حرية التعبير، في حين أنّ فرنسا – بحسب هؤلاء القادة - تجرّم إنكار ما جرى قبل سنوات ليست بالبعيدة لملايين من البشر بسبب هويتهم!
وقد تنبّه الكاتب الباكستاني «كونوار خلدون شهيد» إلى هذا الموقف المضحك المبكي، وقال في مقال ناري إنه لا يمكن المساواة بين ما حدث لبشر وبين اعتقادات يؤمن بها بشر، وأنّ فرنسا ستكون ملامة لو أنها كانت تجرّم الإساءة إلى معتقدات دينية وتبيح الإساءة إلى معتقدات دينية أخرى.

ويقول الكاتب حازم صاغية في مقال له إن الكارثة حين لا ينتبه قادة دول إسلامية كبيرة إلى التمييز بين هذين الأمرين، وهم قادة يحظون بشعبية ما في دولهم وفي الدول التي تتحدث لغاتهم، ناهيكم عمن يتخذون هؤلاء قدوات ويتبنون أفكارهم، الأمر الذي يضيف سبباً آخر إلى تخلف الوعي الشعبي السائد.

إنّ موقف الإمارات من قضية الرسوم المسيئة والأعمال الإرهابية التي وقعت انتقاماً منها كان واضحاً وصريحاً في استنكار الأعمال الإرهابية بشدة، ورفض أي تبرير لها. وفي الوقت نفسه، الدعوة إلى احترام المقدسات والرموز الدينية، والابتعاد عن إثارة الكراهية بالإساءة للأديان.

إن مثل هذه المواقف هي التي من شأنها نزع فتيل الصراعات الدينية، ومنع تحويل العالم إلى كرة لهب، لا خلط القضايا كما يفعل أرودغان ومن يحذو حذوه، والتبرير الضمني للإرهاب، والمساومة في أمور غير قابلة للمساومة عليها، والتكسّب من الغضب، والمتاجرة بالدماء، بل إقحام جريمة إنسانية كبرى لا ينبغي أن تتكرر أبداً في قضية رسومات مبتذلة لرسامين يسيؤون استخدام حرية التعبير، تقابلها أعمال إجرامية تقع من أشخاص مشحونين بخطب وأفكار قادة شعبويين.