على مدار المئة عام الماضية، خاض الأميركيون جدلاً طويل الأمد حول دور الأسواق ودولة الرفاه. فقد فضل «الجمهوريون» حكومة صغيرة مخافة أن يؤدي وجود دولة راعية كبيرة إلى إضعاف الحيوية الأميركية وتقليص الحرية الشخصية. وفضل «الديمقراطيون» دولة أكبر مجادلين بأن توفير أمن اقتصادي أساسي للأفراد سيمكنهم من الإقدام على المزيد من المغامرة وعيش حياة كريمة. وشهد هذا الجدل مداً وجذراً على مدار السنين، لكن عام 2020 اتضح أنه محوري في الصراع وبوسعنا الآن إعلان فائز. فقد فاز «الديمقراطيون» بجدل القرن العشرين الكبير. وهذا لا يعني أن كل شخص أصبح «ديمقراطياً»، بل يعني أنه حتى كثيرين من «الجمهوريين» يتبنون الآن افتراضات «الديمقراطيين» الكبيرة. فالأميركيون من جميع التوجهات يخافون عدم الأمن الاقتصادي وعدم الأمن العام أكثر من خوفهم من دولة متغطرسة. لقد جاء عصر الحكومة الكبيرة. 
ويشير استطلاع رأي حديث لكل من «نيويورك تايمز» و«معهد سينا كوليدج» البحثي إلى أن ثلثي الأميركيين يؤيدون السماح للناس بشراء تأمين صحي من خلال الحكومة الاتحادية، وثلثا الأميركيين يؤيدون خطة جو بايدن التي قيمتها تريليوني دولار لتعزيز استخدام مصادر الطاقة المتجددة وإقامة بنية تحتية موفِّرة للطاقة. وهناك 72% من الناخبين المحتملين، من بينهم 65% من الجمهوريين، يدعمون حزمة بقيمة تريليوني دولار لإغاثة الأفراد وحكومات الولايات والإدارات المحلية من «كوفيد-19». 
لقد دفع «كوفيد-19» الناخبين نحو اليسار. والفيروس جعل الناس يشعرون بالهشاشة وأكثر ميلا لأن يؤيدوا مساعي الحكومة لتقليص هذه الهشاشة. وتوصلت دراسة تزعمها الاقتصاديون اليكس ريس-جونز وجون داتوما وأميدو بيولاتو ولوكا سالفادوري، إلى أن الناس في المقاطعات التي بها أعداد كبيرة من إصابات ووفيات كوفيد-19 أكثر ميلا بكثير إلى تأييد توسع تأمين البطالة والرعاية الصحية المقدَّمين من الحكومة. فهذا الدعم الأكبر لبرامج شبكة الأمان الاجتماعي يتخطى الأيديولوجية السياسية. 
وانحراف عام 2020 إلى اليسار يأتي عقب سنوات من الجنوح المتواصل نحو اليسار. ففي عام 2015 كانت هناك أغلبية من الأميركيين يعتقدون أن «الحكومة تقوم بأمور كثيرة يستحسن تركها للشركات والأفراد». لكن الآن، هناك 39% فقط من الأميركيين يرون هذا، بينما هناك 59% يعتقدون أن «الحكومة يجب عليها بذل المزيد لحل المشكلات» وفقاً لمركز «بيو» البحثي. ويعتقد ثلثا الأميركيين أن الحكومة يجب عليها بذل المزيد للتصدي لتغير المناخ. وهناك 60% على الأقل من الأميركيين يؤيدون زيادة الحد الأدنى للأجور ومنح رصيد ضرائبي للعمال منخفضي الأجور. وهناك 82% من الناخبين إجمالاً و70% من «الجمهوريين» يروقهم بحث تشريع لتوسيع العطلات المدفوعة لأسباب أسرية أو طبية. 
ويشيع القول إنه في عصر الاستقطاب، يتحرك الديمقراطيون يساراً بينما يتحرك الجمهوريون يميناً، لكن هذا غير صحيح. فقد أوضح تشارلز بلاهوس وروبرت جرابويز، من مركز ميركاتوس، أن كلا الحزبين يتحركان يساراً والفارق هو أن سرعة حركة الديمقراطيين أكبر من الجمهوريين. وكي يظهر بلاهوس وجرابويز تغير إطار الجدل برمته، رصدا السياسات التي تجري مناقشتها عموماً وسط الديمقراطيين الآن والتي كان من الممكن أن تمنع يساريتها الشديدة من طرحها في جلسة استماع في المؤتمر القومي الديمقراطي عام 1996. وقدما أمثلة كثيرة تضمنت إلغاء ديون طلبة الجامعات ورفع الحد الأدنى للأجر أكثر من المثلين وإغلاق محطات إنتاج الطاقة التي تعمل بالفحم وتوفير وظيفة لكل أميركي. ثم نظروا إلى السياسات الجمهورية الحالية التي كان من الممكن أن تمنع شدة محافظتها من طرحها في المؤتمر القومي الجمهوري لعام 1996، فلم يجدوا أياً من هذه السياسات. 
والنموذج التاريخي المألوف يتضح هنا. فالأزمات تقع، مثل كوفيد-19 أو الأزمة المالية أو الحرب العالمية الثانية أو الكساد الكبير.. ثم تتقدم الحكومة لمعالجة الأزمة. ويوافق الجمهوريون في نهاية المطاف على توسع دور الحكومة. لكن يمكن القول بأن هناك حدوداً لمدى ميل البلاد نحو اليسار. فهذه أمة بها 72% من الناس يطلقون على أنفسهم معتدلين أو محافظين و24% فقط يطلقون على أنفسهم ليبراليين. وثلثا الأميركيين مازال لديهم إيمان قوي بالرأسمالية الديمقراطية وهناك ثلث يكره الاشتراكية. 
وفي خلفية هذا الجدل هناك حقيقة هامة، وهي أن السنوات الثلاثين الماضية من الاقتصاد النيوليبرالي شهدت أكبر تقلص في الفقر على مستوى العالم في كل تاريخ البشرية. وربما يتذكر البعض الركود التضخمي في سبعينيات القرن الماضي وما يعرف باسم التصلب الأوروبي في ثمانينيات القرن حين خنقت لوائح الحكومات المتضخمة الاقتصاد وأبطأت الرخاء. وحتى حين يتزايد التأييد لبرامج الحكومات، تصبح الثقة في الحكومة قرب مستويات قياسية من الانخفاض. والأميركيون يروقهم أن ترسل الحكومة شيكات لتغطية كلفة أمور مثل رعاية الأطفال والدراسة الجامعية والإغاثة من كوفيد-19، ولا يروقهم مقترحات تركز السلطة في واشنطن. 
وهكذا يمكننا معرفة السبب الذي جعل ترامب حريصاً في عامي 2016 و2020 على تركيز حملته على قضايا الثقافة والهوية الأميركية ويسعى جاهداً لتفادي الجدل بشأن قضايا دور الحكومة. فحتى في عام 2016، لم يكن بوسع الجمهوريين الفوز بالجدل. وإذا أراد المرء فهم مركز الجاذبية في هذه القضايا، فإني انصحه بمطالعة تقرير برينك لينزي وصامول هاموند من مركز نيسكانين. فقد طالب التقرير بشبكة أمن اجتماعي أقوى بكثير لحماية الناس من مخاطر الفقر والمرض وعدم توافر فرص العمل، وطالب أيضاً بإصلاح ثلاثة قطاعات، هي الإسكان والتمويل والرعاية الصحية. إنه جدل حيوي استمر عقوداً فازت به دولة الرفاه الليبرالية، أي الاقتصاد الرأسمالي النشط المصحوب بدعم اجتماعي سخي.


*كاتب أميركي 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2020/10/22/opinion/democrats-republicans-big-government.html