بينما كان مئات ملايين المسلمين يحتفلون بفرحة عيد المولد النبوي الشريف مستحضرين هدي نبيهم الكريم في قويم الخلق والرحمة والعدل، فاجأتهم الحادثة الإرهابية الفظيعة في مدينة نيس الفرنسية، حيث تعرضت كنيسة نوتردام إلى اعتداء آثم ينتهك كل أحكام الدين وأخلاقياته ويعرِّض سمعة المسلمين ودينهم لمزيد من التشويه والكراهية. 
التحدي المطروح اليوم على النخب الفكرية في العالم الإسلامي يتجاوز مجرد الإدانة المطلوبة لفظائع الإرهاب، ويتعلق بواجب الدفاع العقلاني الدقيق عن دينهم ورموزه المقدسة في مواجهة خطرين مترابطين موضوعياً: النزعة العدائية للإسلام المتنامية في أوساط اليمين المتطرف، والتي تتخذ في أيامنا هذه سمة الإساءة إلى أعظم رموز هذا الدين، وهو رسول الرحمة الأمين صلى الله عليه وسلم، وحركات التطرف والتشدد في مكوناتها الأيديولوجية السياسية والراديكالية المسماة جهادية أو سلفية، وهي التي تكاد تلتبس في وعي أكثر سكان العالم بالإسلام عقيدةً وشريعةً. 
إن ما يجمع بين هذين الخطرين هو دخولهما في مفهوم «ازدراء الأديان» الذي كانت دولة الإمارات سبّاقة إلى تجريمه في قانون رادع صدر عام 2015 يهدف في عمومه إلى مكافحة التمييز والكراهية على أساس ديني.
ما نريد أن نبيّنه من منظور الأحداث الراهنة هو أن المطلوب اليوم هو تحويل هذا القانون إلى معاهدة دولية ملزمة من أجل قطع الطريق أمام ما يبدو «حرباً دينية أو حضارية» تهدد السلم الدولي. وفي هذا السياق، يتعين التنبيه إلى جانبين أساسيين، يتعلق أحدها بمفهوم ازدراء الأديان نفسه، وثانيهما بصورة الإسلام الراهنة. 
أما مفهوم ازدراء الأديان فيدخل في الدلالة القانونية للكراهية والعنصرية، ولا يمكن تبريره بحرية الرأي والتعبير، كما بين بوضوح بيان مجلس حكماء المسلمين الصادر مؤخراً بخصوص الرسوم المسيئة في فرنسا. الفرق بين حرية التعبير وجريمة ازدراء الأديان هو في اعتبارين أساسيين هما: الاستهزاء برموز الدين، وبصفة خاصة الشخصيات المرجعية الكبرى، إذ لا يمكن اعتبار الاستهزاء موقفاً فكرياً أو رأياً حراً بل هو مظهر للكراهية والسخرية والازدراء، وهو الموقف الذي حكمت به المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وتبنته بوضوح عدد من الدول الليبرالية الغربية العريقة، والقول بالمماهاة بين ما يعتبر تعاليم دين ما وسلوك المجموعات التي تتبناه، وهو في الحقيقة تحويل الشاذ والمدان في ممارسة أتباع دين إلى جوهر هذا الدين وحقيقته المطلقة. 
ما يتعين التنبيه إليه هنا هو أن المسلمين لم يَضيقوا في تاريخهم ذرعاً بأعتى أشكال النقد الديني، ويكفي دليلاً على ذلك أن الراهب المسيحي يوحنا الدمشقي الذي كتب كتابه «الهراطقة» في نقد الإسلام كان يناظر الفقهاء والمتكلمين في بلاط الخليفة الأموي وكان هو نفسه وزيراً في هذا البلاط. ولم يضق علماء الإسلام ذرعاً بكتابات المستشرقين الذين تحامل بعضهم على الدين، بل ناقشوهم بموضوعية وجدية منذ الإمامين الأفغاني ومحمد عبده.
والواقع أن هذه الروح النقاشية العالية قد تراجعت في السنوات الأخيرة بتراجع الطابع العقلاني الرصين في الفكر الإسلامي الذي اختطفته التيارات المؤدلجة المتعصبة. 
كما أن الفقه الإسلامي نفسه قد بادر إلى تجريم ازدراء الديانات الأخرى، بدءاً بالنهي عن سب الآلهة التي يعبدها غير المسلمين (منعاً لسب الله) وحماية حقوق أهل الكتاب إلى حد التشديد في منع الاعتداء عليهم بأشد الوعيد، وتحريم التعرض لأماكن العبادة ورجال الدين ولو في حال الحرب المشروعة (التي مال أغلب علماء الإسلام إلى أنها الحرب الدفاعية). إن هذه الأحكام التي ينتهكها اليوم الإرهابيون هي جوهر الإجراءات القانونية التي يجب تعميمها لحماية كل المعتقدات والديانات، وفيها ما يحمي ويصون حقوق المسلمين مواطنين ومقيمين خارج بلاد الإسلام. 
أما بخصوص صورة الإسلام، فلا يكفي التذكير بالحقائق البديهية لكل من يعرف هذا الدين من نزعته السلمية وعمق ثقافة التسامح والتضامن في أخلاقياته وشرائعه، بل المطلوب هو خوض معركة فكرية حقيقية لمواجهة أيديولوجيا الكراهية والعنف التي تشكلت منذ عقود في الساحة الثقافة الإسلامية، وأصبح لها اليوم الصوت الأرفع في قطاعات تعبيرية واسعة. ومن الخطوات المهمة في هذا الباب توسيع شبكة أصدقاء الإسلام والمسلمين من أتباع الديانات الأخرى، وفق ما أطلق عليه العلامة الشيخ عبد الله بن بية «حلف أولي بقية» إشارةً إلى الآية الكريمة التي تصف مَن ينهون عن الفساد ويسعون للإصلاح. أي بعبارة أخرى، إن الدفاع الأمثل عن الإسلام هو توسيع دائرة محبيه وأصدقائه لا استغلاله في موازين الصراع السياسي أو الإساءة إليه بمسلكيات الكراهية والعنف.