ندخل وبأسرع مما كنا نتوقع في عالم جديد لا مكان فيه لغير المؤهلين لدخوله، وكما اختفت السفن الشراعية وقوافل الإبل التجارية وما تشكل حولها من مدن وأعمال وحرف ومهن، تختفي (سوف تختفي) مؤسسات وأدوات وأعمال ومهن قائمة اليوم، لا يمكن مواجهة هذه الحقيقة، وما نفعله لإيقاف عجلة الزمن والتاريخ ليس أكثر مما فعلناه للحفاظ على الأعمال والمهن السابقة التي تحولت إلى تراث وتاريخ وذكريات، السيف الذي نعلقه اليوم على جدران بيوتنا أو متاحفنا كان العمود الفقري لحياة الأمم والأفراد، والأشخاص الذين يؤدون أعمالاً وحرفاً للفرجة في مهرجانات التراث كان آباؤهم يفعلون ذلك كحياة يومية شاملة، وحتى لا ننقرض يجب أن نفكر جميعاً أمماً وأفراداً وجماعات ومؤسسات كيف نكتسب فرص الدخول في عالم جديد مختلف. 
وعلى سبيل المثال فقد كان في عالم الصحافة والنشر والإعلام منظومة واسعة من المهن والمؤسسات والأعمال والاقتصاديات، تمضي معظمها أو جميعها إلى الفناء، الصحف الورقية والمحطات التلفزيونية والإذاعية والكتب والمجلات الورقية، وفي مقدور جيلي من العاملين في الصحافة أن يتذكروا اليوم مئات الصحف والمجلات ودور النشر والمكتبات والمطابع التي عصفت بها التحولات، وربما لم تعد الصحافة والنشر في هيئتها التقليدية قابلة للاستمرار أو أن تظل قادرة مصدرا للعمل والرزق للكتاب والمؤلفين والناشرين والحرفيين والمسوقين، لكنها تمضي إلى سوق للإعلام والنشر الإلكتروني يبدو مختلفاً في فرصه وتحدياته ومؤهلاته، بل ويبدو في عالمنا العربي لم يتشكل بعد على نحو مؤسسي واضح، إذ لم تتشكل بعد أسواق ثقافية وإعلامية إلكترونية كافية وناضجة تستوعب الكتاب والصحفيين والمثقفين، لقد كان الكتاب والصحفيون من أوائل الخاسرين وربما المنقرضين. 
ويبدو واضحا اليوم أن التعليم والتسويق والعمل يتحول في سرعة وكفاءة إلى الشبكية، وفي ذلك تتغير وتنشأ اتجاهات كبرى في البناء والإقامة وتخطيط المدن والبيوت والسفر والنقل وصناعة البناء والتصميم، كما وتتغير جذرياً المهن التعليمية والتسويقية والخدماتية، ومؤكد أن المعلمين والمهنيين والبائعين ومقدمي الخدمات سوف يكونون في السنوات القليلة القادمة مختلفين في طريقة عملهم وخبراتهم ومعارفهم ومهاراتهم اختلافا كبيرا عن المهنيين والعاملين اليوم، ومرجح بالطبع إنْ لم يكن مؤكداً أن نسبة كبرى منهم ستخسر وظائفها وفرضها. 
لكن التكنولوجيا تعمل دائماً لصالح الأمم وتفيد الفقراء كما تفيد الأغنياء، فلم يكن الطعام واللباس متاحاً قبل التكنولوجيا بالسهولة والكلفة القائمة اليوم، وكان الطعام والمأوى واللباس يستهلك معظم جهود وأوقات الناس، ولم يكن معظمهم قادرين على الحصول على الحد الأدنى من الاحتياجات الضرورية والأساسية، وقد أمكن إطالة العمر وتحسين الصحة بعادات النظافة والتغذية الجيدة، ولم يكن ذلك أمراً عادياً أو مألوفاً في حياة الأمم قبل مائة سنة، وتحسنت ظروف الإقامة والسكن، ولم يكن معظم الناس يجدون مساكن تؤويهم. 
وبالطبع فإن المثقفين الذين يمارسون العمل العام والكتابة الإعلام كرسالة اجتماعية مزودة بالمعرفة محكومون بالأمل والتفاؤل، ليس التفاؤل ترفاً أو هواية ممتعة للمثقف، لكنه رسالة ليساعد نفسه ومن يثق به لأجل تنظيم حياتنا وأنفسنا وأعمالنا باتجاه تحسينها. وليست المعرفة بالنسبة إلينا موارد وعمليات مستقلة ومجردة عن رسالتها الاجتماعية، وفي ذلك فإننا نسعى دائماً إلى حث الفكر والهمة للتفكير في الفرص الجديدة، فقد أتاحت الشبكية أعمالاً وموارد جديدة كما أفنت مؤسسات وموارد أخرى، ومؤكد أن الأعمال الجديدة أكثر وأفضل من السابقة، فالأمم كما يظهر التاريخ تتقدم وتزيد مواردها ومعارفها وتتحسن حياتها باستمرار، وما نحتاج أن نجيب عنه أولاً وببساطة كيف نواصل الحصول على فرص الحياة لعمر أطول وبصحة جيدة ومهارات ومعارف مناسبة؟