عُقدت المناظرة الرئاسية الأخيرة بين دونالد ترامب وجو بايدن في 22 أكتوبر، في ناشفيل بولاية تينيسي. ورغم أنها كانت أكثر تنظيماً وغنىً بالمحتوى، مقارنةً بالمناظرة الأولى التي عقدت في 28 سبتمبر وكانت كارثية في نظر الكثيرين، فمن المشكوك فيه أن تكون المناظرة الأخيرة قد غيرت رأي كثير من الناخبين المحتملين في اختيار مرشحهم. ففي هذه المرحلة من حملة الانتخابات الماراثونية تلك، يكون معظم الناس قد حددوا المرشح الذي سيصوتون له، كما أن ما يزيد على أكثر من 60 مليون مواطن في هذه المرحلة كانوا قد صوتوا بالفعل، إما عبر البريد أو بالذهاب إلى مراكز الاقتراع في ولايات محورية تسمح بهذا. 
وعلى الرغم من هذا، نوقشت قضيتان مهمتان وسيكون لهما تأثير عميق على البلاد لسنوات مقبلة، بصرف النظر عمن سيفوز في الثالث من نوفمبر. فما زالت أزمة «كوفيد-19» تتفاقم في الولايات المتحدة وأوروبا وأميركا اللاتينية، لكن رؤى ترامب وبايدن اختلفت تماماً فيما يتعين القيام به للتعامل معها. فترامب يرى أن الجائحة أوشكت على الانتهاء، وأن الأمور تتحسن بفضل معالجة إدارته لعملية الحصول على اللقاحات والعقاقير الطبية اللازمة. ويعتقد ترامب أن عام 2021 سيشهد انتعاشاً اقتصادياً أفضل، حتى مما كان عليه قبل انتشار الفيروس. لكن مارك ميدوز، كبير موظفي البيت الأبيض، أعلن: «لن نتحكم في الجائجة لأنها فيروس معد». ومازال ترامب يعقد اجتماعات حاشدة، دون اتباع قواعد التباعد الاجتماعي ودون وضع كثير من الأشخاص للكمامات. وأنصاره الأكثر تأييداً له يرون أن النصائح الصارمة التي وضعتها الإدارات الاتحادية والمحلية وعلى مستوى الولايات لا تساعد في شيء ويتعين تجاهلها. 
هذا بينما يعلن بايدن، على الجانب الآخر، وبشكل صريح، أن الأمور ستتفاقم، وما لم نتبع سياسة قومية متماسكة لاحتواء الفيروس، لن يتعافى الاقتصاد. وأولوية بايدن الأولى، إذا فاز في الانتخابات، ستكون للسيطرة على الأزمة، بالاعتماد على أفضل فريق علمي يمكنه جمعه والعمل عن كثب مع كل حكام الولايات لضمان تنسيق الجهود. 
والقضية الثانية المحورية التي نوقشت في المناظرة تتعلق بتغير المناخ ومستقبل قطاع الطاقة. فقد تقدم بايدن بمبادرات كبيرة لتقليص اعتماد الولايات المتحدة على الوقود الأحفوري على مدار العقود التالية. ويعتبر بايدن الغاز الطبيعي جسر طاقة ضرورياً لتقليص الاعتماد على الفحم لتوليد الكهرباء. ويؤيد استمرار استخراج الغاز بالتكسير الصخري الآمن في ولايات مثل بنسلفانيا، لكنه يعارض عمليات التكسير الصخري الجديدة. وسيقدم المزيد من الحوافز لوضع أنظمة لتوليد الطاقة من الموارد المتجددة، مثل الرياح والشمس والطاقة الكهرومائية. ويؤيد بايدن تقليص الدعم الاتحادي لصناعات النفط والغاز والفحم. ويؤيد وضع قواعد أشد صرامة للمباني الموفِّرة للطاقة، وسيعيد جهود حقبة أوباما لتحسين المزايا التي تحصل عليها السيارات والشاحنات التي تعتمد على الغاز كوقود. 
وانتهز ترامب على الفور ما اعتبره خطأً سياسياً لبايدن، وتحديداً السؤال المتعلق بمستقبل صناعة الوقود الأحفوري التي يعمل بها ملايين العمال في ولايات مثل تكساس وبنسلفانيا، وهي ولايات محورية وحاسمة في الفوز بانتخابات الثالث من نوفمبر. وتعين على بايدن تقديم توضيح لما قاله في المناظرة. وبصرف النظر عن مدى تأثير هذه النقطة في تغيير رأي بعض الناخبين، فهي توضح أنه إذا فاز بايدن في الانتخابات، فإن الولايات المتحدة ستنضم إلى اتفاق باريس للمناخ وستعزز جهود تنظيم انبعاثات الوقود الأحفوري. ولو كان بايدن قد أعلن هذه التصريحات في المناظرة الأولى، لاستطاع ترامب الحصول على بعض الزخم في ملف الطاقة باعتبارها قضية انتخابية. لكن في هذه المرحلة المتأخرة من السباق، من المشكوك فيه أن تكون عاملاً مؤثراً في التصويت. 
وربما يصبح كاتب هذه السطور قادراً في المقال القادم على الحديث ببعض الثقة عن نتائج الانتخابات والآفاق المستقبلية للسنوات الأربع المقبلة في السياسة الأميركية. لكن في هذه الفترة شديدة الشقاق، مع اقتناع الجانبين أن الحزب الآخر سيحاول سرقة الانتخابات، فإن العملية طويلة الأمد لإعلان النتائج النهائية قد تستمر لفترة أطول مما يتمناه أي شخص.