إذا تم الاقتناع بأن مقولة الاتحادية في جوانبها التطبيقية، هي محاولة لتعزيز التنظيمين السياسي والاجتماعي في دولة الإمارات، فإن من المفيد توظيفها في هذا المقام كأداة يمكن استخدامها والاستعانة بها لطرق الإجابة على الأسئلة المتعلقة بمركزية أو لا مركزية صنع السياسة واتخاذ القرارات الخاصة بتقديم الخدمات الأساسية المتعلقة بمعيشة المواطنين اليومية ورفاهيتهم، ومن أجل التوصل إلى حلول فعالة للمشاكل التي تواجههم.
التنوع القائم أمر مهم واللا مركزية كذلك، وجوهر الاتحادية في دولة الإمارات لا يكمن في البنية الدستورية أو المؤسسية وحدها، ولكن في الدولة والمجتمع معاً، حيث يتم التأسيس لثقافة سياسية ومجتمعية جديدة منذ اليوم الأول لقيام الاتحاد.
تلك الثقافة السياسية والمجتمعية الجديدة محورها الاتحادية من حيث إن أرض دولة الإمارات العربية المتحدة بجميع مكوناتها من بر وبحار وسماء وجزر هي أرض واحدة، وبأن شعب دولة الإمارات أينما تواجد هو شعب واحد، وبأن الدولة والحكومة الاتحادية هي الآلية التي يتم بواسطتها توضيح جودة القيم الاتحادية للمجتمع وحمايتها.
لذلك فإن الملاحظ هو أن جوهر الاتحادية لدى مواطني دولة الإمارات يكمن في الجوانب غير المحسوسة أو المادية من الفكرة.
وربما أن ما تمت مناقشته ومعالجته في سلسلة المقالات التي سبقت حتى الآن هو غطاء علوي للموضوع فقط أشرنا من خلاله إلى أن الاتحادية في دولة الإمارات هي حالة ذهنية ووجدانية وموقف أخلاقي لدى المواطنين أكثر من كونها مكتسبات مادية صرفة أو خدمات تقدم لهم أو أي شيء من هذا القبيل.
مما أعتقده كامل الاعتقاد وأؤمن به تمام الإيمان بعد الإيمان بالله عز وجل هو أن مواطني الدولة الاتحادية الذين ينتمون إلى الإمارات السبع لديهم موقف أخلاقي تجاه الدولة والحكومة الاتحادية.
هذا الموقف الأخلاقي الموحد يصطبغ به منهجهم الكامل نحو كيفية قيام الكيان الاتحادي بحل مشاكل الدولة والمجتمع يقع في صلبه قدرة الدولة الاتحادية على القيام بتوفير الحلول المناسبة ضمن نمط محدد ومقبول لديهم بسمو الدولة الاتحادية حيال جميع المستويات المحلية.
ويشير عدد من الدراسات التي ظهرت في الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي بأن مثل هذا المنهج ليس له سند دستوري أو قانوني واضح ويقوم على نظرة عاطفية، لكن ما أثبتته التجربة الاتحادية في الإمارات حتى الآن هو أنه منهج سليم وراسخ لدى مواطنيها، يستند إلى طريقة في التفكير مكنت دولة الإمارات قيادة وشعباً من القيام بقدر كبير من المبادرات والتغييرات التي تم إفساح المجال أمامها، لكي تحدث ضمن أطر عريضة من التقاليد الموروثة، وهي تغيير آمن الجميع بأنه ضرورية لكي يتم البناء عليه لتحقيق أوضاع جديدة أكثر إشراقاً يمكن إحداثها عن طريق التوافق وتقديم التنازلات المتبادلة من جميع الأطراف الاتحادية والمحلية.
إن هذه عناصر يمكن التعرف عليها في الفكر الجديد الخلاق والمتنوع الذي باتت قيادة الإمارات وشعبها يمارسونه من خلال الأفكار المتنوعة والمتعددة التي تكمن جذورها في التاريخ والتراث الوطني العريق.
ضمن هذا الإطار الفكري والثقافي القائم على الرغبة الأكيدة للدولة الاتحادية في القيام بإسعاد المواطنين أينما كانوا على الأرض الاتحادية، قامت القيادة الرشيدة بوضع خطط مدروسة وبرامج محددة ومناهج ذات رؤى مشرقة تتعامل مع الواقع المعاش وتتطلع بثقة قوية إلى مستقبل مشرق وتهدف إلى خدمة المواطنين جيل بعد جيل.
وفي سياق ذلك يتم التركيز منذ إنشاء الدولة الاتحادية في الثاني من ديسمبر 1971 على تقديم مجموعة من الخدمات الأساسية الضرورية التي تطال التعليم والصحة والإسكان وتوفير فرص العمل لجميع المواطنين وتسهيل الأمور لهم للحصول على مداخيل ثابتة مؤكدة تؤمن لهم ولأسرهم العيش الكريم، هذا إلى جانب توفير الأمن والأمان للوطن وأبنائه وقاطنيه على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ويتم ذلك كله من خلال توفير ميزانيات مجزية لكل خدمة مقدمة تُرصد ضمن ميزانية الدولة الاتحادية السنوية. وقد نتج عن ذلك أن قافلة الدولة الاتحادية تسير إلى الأمام بثبات وقوة تزداد يوماً بعد يوم.
*كاتب إماراتي