يصنف صاحب نظرية «صدام الحضارات» تركيا كدولة ممزقة، فالدول في عالم ما بعد الحرب الباردة تنقسم حضارياً، بحسب صموئيل هنتنغتون، إلى دول أعضاء: تتحدد هويتها الثقافية كليةً بحضارة معينة، مثل مصر بالحضارة العربية الإسلامية. ودول أساسية: تحظى بالقوة الأكبر في ثقافة ما، مثل إسبانيا لحضارة الناطقين بالإسبانية. ودول وحيدة: تفتقر إلى التجانس الثقافي مع المجتمعات المجاورة لها، كأثيوبيا ذات اللغة الأمهرية والديانة الأرثوذكسية القبطية. ودول منقسمة: ينتمي مجتمعها إلى حضارتين مختلفتين، كسنغافورة التي ينقسم شعبها إلى صينين بوذيين ومالاويين مسلمين. أما الدول الممزقة فهي تلك التي لم تحدد هويتها الحضارية بنجاح. 
وبعد أن يسرد هنتنغتون الإصلاحات التي قادها أتاتورك وأثمرت عن العضوية في حلف الأطلسي، والانضمام إلى العالم الحر، واعتبارها في نظر الغرب الحصن الشرقي الذي يمنع التوسع السوفييتي جنوباً، يقول إن تركيا لم تعد مفيدة بالنسبة إلى الغرب بانتهاء الحرب الباردة، وتركيا نفسها لم تعد مرتاحة لذلك المستوى من العلاقة، خصوصاً مع حرمانها من الجلوس إلى مائدة الاتحاد الأوروبي، إذ قبِل هذا النادي عضوية دول كثيرة وتم تخطي تركيا، فصارت كمن يقف في نهاية الطابور بحسب تعبير هنتنغتون، ليدرك الأتراك بأن الغرب لا يرى مكاناً لهم داخل أوروبا، و.. ظهرت إشكالية الهوية الحضارية على السطح.
استفاق الأتراك من الأحلام واندفعوا نحو تنمية روابطهم عرقياً، مع الأتراك خارج تركيا، في أذربيجان وأوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وقيرغيزستان، والعودة إلى جذورهم الدينية، إن في الداخل من خلال المظاهر الإسلامية، وإن مع الخارج حيث العالم الإسلامي، ورضوا في النهاية بأن يكونوا جسراً بين الحضارتين الغربية والإسلامية. ويعلق هنتنغتون قائلاً: «عندما يطلق قادة تركيا على بلادهم وصف الجسر، فإنهم يؤكدون بأسلوب بلاغي بأن بلادهم ممزقة»، فالجسر هو بناء يربط بين كيانين قويين، لكنه ليس جزءاً من أي منهما. 
هذا التمزق التركي، ثم البحث عن الهوية، فالعودة إلى الجذور العرقية والدينية، نشأ قبل صعود أرودغان على السطح، والطبقة الحاكمة اليوم في تركيا هي من إرهاصات تلك الحقبة، وامتداد لمشروع العودة التركية من الرحلة الفاشلة نحو الغرب. 
وبالنسبة للدول العربية، قوبلت عودة تركيا بالأحضان الدافئة، خصوصاً أنها أطلقت نظرية «تصفير المشكلات»، لكن سرعان ما تبين أن تركيا تتحدث لغة إسلامية وتتصرف كدولة استعمارية، ومجرد نسخة سُنية من إيران العدوانية.
هذا كله يجدد السؤال الذي طرحته الكاتبة سوسن الشاعر في مقال لها بعنوان «هل هو أردوغان أم هي تركيا؟»، تستعرض فيه مواقف النخبة المعارضة لأردوغان، والتي لا يبدو أنها تختلف معه كثيراً حول سياساته الاستعمارية.. ثم تتساءل عما إذا كنا أمام طموح شخصي لأرودغان أم سياسة دولة؟ 
وإذا أخذنا في الاعتبار أن أكثر التوترات الإقليمية التي تخلقها تركيا الأردوغانية سببه اللهاث خلف النفط والغاز، تحت غطاء الشعارات الإسلاموية المعتادة، فإننا قد نكون بإزاء سياسة دولة، وصداع من التدخلات في شؤون الدول العربية قد يستمر بشكل مزمن، وليس مجرد ظاهرة صوتية شعبوية يمثلها رئيسها الحالي.‏‭

*كاتب إماراتي