منذ توقيع معاهدة السلام في 15 سبتمبر 2020 نال «الديمقراطيون» سيلاً وافراً من الانتقادات. وأكثر من لحقته لكمات من الانتقادات اللاذعة كان وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري، عندما انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي كلمة له ضمن مقطع فيديو في «منتدى سابان السنوي» لمعهد بروكينجز عام 2016، وهو يؤكد للعالم أنه لن يكون هناك اتفاق سلام في الشرق الأوسط من دون وجود الفلسطينيين. يبدو أن لحظة نشوة انتصار الدبلوماسي آنذاك هي التي كانت تحوم في ذهن كيري عما حققه في الاتفاق النووي الإيراني الأعرج والتي دفعته كي يقول أشياء ثبت في ما بعد خطؤها، كما في قرارات أخرى.
ولعل ما ذكره كيري يدعو للتساؤل: إذا كان هو وإدارة أوباما مهتمين لهذه الدرجة بأن يكون السلام مع الدول العربية بوجود الفلسطينيين، لماذا لم يقم بهذه المهمة بدل الدفع إلى ثورات مدمرة في العالم العربي نتج عنها خسائر تقدر بـ 883.7 مليار دولار للبنية التحتية وأكثر من 1.34 مليون حالة وفاة وإصابة حسب ما ورد في تقرير المنتدى الاستراتيجي العربي في دبي؟ لماذا لم يفلح كيري في تأسيس مشروع سلام يقدمه لإدارة أوباما بدل هذه السياسة الازدواجية في المنطقة التي تشجع على ثورات في الدول العربية مثل مصر وليبيا في عام 2011 باسم الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، لكنها ترفع يدها عن التدخل في الثورة الخضراء الإيرانية عام 2009 بحجة أن التدخل الأميركي في إيران سيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة؟ 
ولا يكفي أن السياسة الخارجية للحزب «الديمقراطي»، وتحديدا إدارة أوباما أثبتت فشلها، فحتى الآلة الإعلامية التابعة لها أيضا فارغة. فهذه الآلة الإعلامية التي شحنت الشعوب ضد أنظمتها لكي تسقطها فيما سمي «الربيع العربي»، والذي أدى إلى دول فاشلة، وازدياد الإرهاب في المنطقة، نجدها تهاجم وتقلل من شأن معاهدة السلام، بحجة أنه لم تكن البحرين والإمارات في حالة نزاع مع إسرائيل. وأن إقامة علاقات دبلوماسية لن يقوض المخاطر، والذي حصد الفوائد السياسية هو ترامب ونتنياهو. كل هذا التنقيص تم من دون التنويه إلى أن ما يميز معاهدة السلام هذه عن سابقاتها، أنها تشمل الشعوب ولا تقتصر على الحكومات لأنها ليست فقط اتفاقية سياسية بل أيضا استثمارية. والتاريخ أثبت أن الدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل تلعب دورًا أكثر نشاطًا في دعم التطلعات الفلسطينية. إنه لمن المؤسف أن هذه الآلة الإعلامية نزلت لهذا المستوى الذي يضر بعملية السلام من أجل مصالح حزبية. 
الآن بعدما أثبتت 2020 أن كيري مخطئ، هل سيستمر في تقديم نصائحه؟ وهل سيستمع إليها جو بايدن؟ هل ستستمر هذه الآلة الإعلامية بحزبيتها وازدواجيتها؟ الحكمة تقول إن نقد الآخرين لا بد أن يكون بنّاءً وغير انحيازي لكن أهم من ذلك هو نقد الذات.