في السابع عشر من مارس 2020، تحدث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، إلى أبنائه في دولة الإمارات العربية المتحدة، قائلاً: «إن الدواء والغذاء خط أحمر في دولة الإمارات يجب تأمينهما لأهلنا إلى ما لا نهاية، بغض النظر عن أي تحديات، سواء كورونا أو غيره.. نحن بدأنا استعداداتنا قبل كورونا، وبفضل الله تعالى الإمارات آمنة ومستقرة ومتطورة طبياً ونحن في خير وأمان، والحمد لله.. وجاهزيتنا مستدامة لمواجهة التحديات كافة». ويشير سموه إلى أن خطط تأمين الإمدادات الضرورية في الدولة قائمة ونشطة، وأن انتظار الطوارئ والأزمات من أجل جدولة الاهتمامات، لا مكان له في دولة الإمارات التي تعتمد على استقراء المستقبل، ووضع الخطط الاستباقية في كل مجالات الحياة، ولذا كان قطاع الدواء يحتل بالفعل مكانه في الاستراتيجيات الصحية للدولة قبل جائحة «كوفيد- 19».
وفي إطار هذا التخطيط المستقبلي، ولمنح صناعة الدواء مزيداً من الاهتمام، يأتي الإعداد لتطوير استراتيجية متكاملة تركز على زيادة حصة إنتاج الدواء في الدولة، و«تعزيز قدرات المصانع المحلية على عقد شراكات مختلفة مع الشركات العالمية المتقدمة، وبما يمكّنها من إنتاج أدوية ولقاحات». ولهذا الغرض ترأس الدكتور أمين حسين الأميري، وكيل وزارة الصحة ووقاية المجتمع المساعد لقطاع سياسة الصحة العامة والتراخيص، أول أمس الاثنين، اجتماعاً افتراضياً ضم تسعة عشر رئيساً ومديراً تنفيذياً في المصانع المحلية المنتجة للدواء بالدولة، بهدف التواصل الفعال مع العاملين في مجال الصناعة الدوائية، ووضع آراء كل أطراف هذه الصناعة في الاعتبار لضمان خروج الاستراتيجية المنشودة في أكمل صورة ممكنة. وتلزم الإشارة إلى أن الاجتماع يُقدِّم نموذجاً تتميز به دولة الإمارات، وهو التوافق والتكامل والانسجام بين الجانب الحكومي ومؤسسات القطاع الخاص في كل الملفات، بحيث تراعي مخرجات العمل المشترك بين الجانبين المتطلبات التي يحرص عليها كل منهما، وضمان مشاركة وجهات النظر وزوايا الرؤية المختلفة.
ويشكل التطور العلمي الذي تحققه الدولة واحداً من الأسس التي تستند إليها الاستراتيجية الجديدة، وهو ما بدا جلياً خلال وقائع الاجتماع، الذي ركز على «زيادة قاعدة التصنيع الدوائي بمختلف التقنيات التكنولوجية والحيوية، والاتجاه إلى الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تصنيع الأدوية». وفي الاتجاه ذاته، جرى التأكيد على «البحث العلمي في مجال الصناعة الدوائية، والعمل على نقل تكنولوجيا صناعة الأدوية المبتكرة والبيولوجية إلى مختبرات الشركات الدوائية المحلية».
البعد الاقتصادي كان حاضراً بدوره في الاجتماع، حيث كان من الأهداف التي اتفق عليها المشاركون «تقليل تكاليف التصنيع وزيادة جودة وكفاءة المنتجات الدوائية»، إلى جانب «توسيع أسواق التصدير، بحيث يتم الوصول إلى دول جديدة ودعم تزويد المصانع المحلية بالمواد الخام». وقد شدد الدكتور أمين حسين الأميري على التزام وزارة الصحة ووقاية المجتمع بدعم قطاع الصناعات الدوائية من خلال «التشريعات والأنظمة الحديثة التي تشجع على الاستثمار في هذا القطاع، وتقديم جميع المساعدات الفنية المطلوبة للارتقاء بالمنتجات الدوائية في الدولة».
وفي خطوة متزامنة تدعم تأمين الدواء، أطلقت وزارة الصحة ووقاية المجتمع منصة «تطمين»، وهي منصة رقمية قائمة على تكنولوجيا التسلسل والتعقب المتقدمة، بهدف «تتبع الأدوية من الإنتاج إلى الاستخدام من المرضى، لرفع كفاءة الخدمات الصحية والذكية بالوزارة، والتعامل بكفاءة مع المنتجات الطبية المغشوشة، أو المنتهية الصلاحية، والمنتجات غير المصرح بها»، ومن شأن ذلك أن يزيد من الثقة القائمة بالأدوية المتداولة داخل الدولة.
إن هذه الخطوات الجديدة تحقق مزيداً من «الأمن الدوائي» في الدولة، بتوسيع فرص تصنيع الأدوية النوعية، ودعم شركات صناعة الدواء المحلية، وتوفير المناخ الأنسب لتطوير قدراتها، وتعزيز الثقة بسلامة الأدوية. وبذلك تتقدم دولة الإمارات خطوات جديدة على طريق توفير أفضل الفرص والخدمات في مجال الصحة، أحد أهم المجالات التي تتعلق بها حياة البشر.
عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية