منذ اللحظة التي أُعلن فيها انتشار فيروس «كوفيد- 19» كانت دولة الإمارات العربية المتحدة تُدرك أن مواجهته مسؤولية يجب أن تُسهم فيها كل فئات المجتمع وقطاعاته. ولعل من بين الأسباب التي جعلت الدولة تُقدِّم نموذجاً ناجحاً في التعامل مع «كوفيد- 19»، أن حس المسؤولية دفع كل المؤسسات والجهات إلى وضع هدف الوقاية من الفيروس في صدارة أولوياتها.
ولعلنا بحاجة إلى استرجاع كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، في وقت مبكر جداً من انتشار الجائحة، حيث قال في 30 مارس 2020: إن «تعاون أفراد المجتمع أمر أساسي وجوهري في مواجهة هذا التحدي». ونحن بحاجة إلى إعادة قراءة هذا التوجيه، والالتزام التام به، انطلاقاً من المسؤولية التي يجب أن نكون على قدرها. 
واستمراراً للجهود المبذولة من قبل المؤسسات لمواجهة خطر (كوفيد- 19)، أصدرت الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية، أول من أمس الأحد، دليلاً استرشادياً يتضمن إجراءات تفصيلية حول الطرق الأكثر ملاءمة في التعامل مع المصابين أو المخالطين أو المشتبه في إصابتهم بالفيروس. ويعكس إصدار هذا الدليل حرص «الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية» على ضمان سلامة العاملين في المؤسسات التابعة لها، وسلامة أسرهم ومخالطيهم، وحماية المجتمع كله. كما يشمل الدليل كذلك، المتعاملين الخارجيين مع الجهات الاتحادية، ما يعني توسيع دائرة الحماية والوقاية من المرض.
ولا شك في أن فرض المزيد من إجراءات الوقاية في أماكن العمل ضرورة ملحة، باعتبارها من بين المواقع التي تسمح بالمخالطة بين عدد كبير من العاملين ساعات طويلة كل يوم، وتزيد فيها فرص التساهل في تطبيق إجراءات التباعد الجسدي. ويمثل الدليل الاسترشادي، إلى جانب محتواه المهم، تذكيراً عاماً بأن خطر الجائحة لا يزال ماثلاً، وأن دولاً كثيرة في العالم تواجه الآن «موجة ثانية» من انتشار الفيروس، وأن «الاطمئنان الزائف» الذي يراود بعض الناس بخصوص الجائحة يُعدُّ خطراً كبيراً على الأفراد والمجتمع.
ومن الأهمية بمكان، أن الدليل الاسترشادي يحدد بدقة مسؤوليات جميع الأطراف في أماكن العمل، بدءاً من الجهة ذاتها، وصولاً إلى إدارة الموارد البشرية والرئيس المباشر والموظف نفسه. ففيما يخص الجهة الاتحادية، يحدد الدليل إجراءات التعامل مع حالات الإصابة ب «كورونا» أو المشتبه بهم، ومن بينها: «تقديم الدعم اللوجستي اللازم لحماية الموظفين والمتعاملين، بما في ذلك الالتزام بكل التدابير والإجراءات الاحترازية الصادرة بشكل دوري عن الجهات المختصة بالدولة، والتنسيق مع المؤسسات الصحية لنقل المصابين أو المشتبه بإصابتهم في مقار العمل إلى المستشفيات لإجراء الفحوص اللازمة، وتحديد المخالطين للحالات المؤكدة والمشتبه بها، وعزل المصابين والمشتبه بهم في الأماكن المخصصة للعزل الصحي المؤقت في مقار العمل لحين نقلهم إلى المستشفى».
أما إدارات الموارد البشرية فهي تتضمن «التواصل مباشرة مع الجهات الصحية المعنية والإبلاغ عن الحالة، وتنفيذ جميع الإجراءات التي يتم طلبها من قبل الجهات الصحية المختصة إلى حين نقلها من قبل مختصين للرعاية الصحية والحصول على بياناتها، وإخلاء الموظفين والمتعاملين من منطقة عمل أو مكتب الشخص المصاب وإبلاغهم في حال مخالطتهم للشخص المصاب مع ضمان عدم اختلاط باقي الموظفين بالحالة». ومثل هذا القدر من الوضوح وتفصيل المهام نجده أيضاً لدى تحديد مهام الرئيس المباشر والموظف.
ويرتبط جزء كبير من نجاح الدليل الاسترشادي في تحقيق هدفه، بتطبيق ما ورد فيه بالحزم والجدية الضروريين، بالنظر إلى ما يترتب على التهاون والتقصير من نتائج سلبية. وتؤكد أرقام الإصابات في الدولة، التي شهدت ارتفاعاً في الآونة الأخيرة، أن الاستهانة بالتعليمات من جانب قلة غير مسؤولة تضع العقبات أمام تحقيق هدف حصار كوفيد-19 في الدولة، والانتصار عليه بشكل نهائي.

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية