واحد من أكثر الأمور التي اختلطت على بعض كتاب الرأي السياسي خليجياً وعربياً، هو الخلط بين ما تعنيه خطوتا الإمارات والبحرين من الاعتراف المتبادل وإسرائيل، ومدلولاتهما السياسية الأبعد. ففي حين ركز الكثيرون في قراءة البعد الأمني متناسين ضرورات التكامل الاستراتيجي بين دول تتشارك في جغرافيا واحدة، وثقافة متقاربة، والأهم من ذلك تحديات آنية ومستقبلية متشابهة، من إعادة الاستقرار إلى محاربة التصحر وشح المياه.
الكثير افترض أن إسرائيل هي وحدها من يملك أدوات التفوق الأمني، متناسياً حجم التراكمات الكمية والنوعية التي توافرت لمنظوماتنا الأمنية منذ 1979 وإلى يومنا هذا، بل تناسى البعض حجم ما وفرته منظوماتنا من معلومات استباقية لأجهزة مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في الولايات المتحدة وأوروبا. وبالعودة لتقارير متوافرة في الحيز العام، مثل موقع وزارة الخزانة الأميركية/ شعبة استخبارات مكافحة تمويل الإرهاب منذ 2004 إلى يومنا هذا، فإنها تؤكد حجم ما تحقق من خبرات تراكمية ميدانية (بشرية)/تشريعية/تنظيمية/ وسيبرانية لدى غالبية دول الخليج العربية.
كذلك حققت دول خليجية تقدماً ملحوظاً في تطبيقات الاستشعار الفضائي والاستشعار عن بعد ضمن منظومات حماية الحدود والأجواء الوطنية. ورغم السبق الإسرائيلي في المجالات السابقة، وقدرات الردع المتكافلة ومنظوماتها الأمنية، فإن ذلك مدفوع بعقيدتها الأمنية (الدفاع عن العمق الوطني). 
التكافل الاستراتيجي تنموياً، هو ما تصبو إليه أي كتلة سياسية، ودول مثل الإمارات، والبحرين وإسرائيل جزء حيوي وفاعل ضمن الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط. وهي تدرك مجتمعة أن لا تنمية استراتيجية دون أمن مستدام، وتلك هي القاعدة التي انطلقت منها هذه الدول عبر مقاربة الاعتراف المتبادل، وتطويرها لعلاقات طبيعية هي الأقدر على حل الخلافات وبناء الجسور إنسانيا. وحسب المنظور الإسرائيلي، فإن عمقها الاستراتيجي هو محيطها العربي، والمتوسطي (الأوروبي والعربي)، لذلك يكتسب هذا الاختراق خليجياً بعداً يتجاوز المُكتسبات السياسية التكتيكية لدى مؤسسة الأمن القومي الإسرائيلية.
على الجانب الآخر، يجب إدراك المدلولات المستقبلية طبيعياً ضمن المنظور الأشمل للتحولات السياسية خليجيا، وما يمكن أن تمثله المقاربة الخليجية الإسرائيلية ضمن ذلك المنظور. فهل ستتسع رقعة الاعتراف المتبادل مع إسرائيل، أم أنها ستبقى ضمن حيزها القائم. كذلك، يتوجب قياس حجم التحولات في الموقف الأميركي من مفهومها التقليدي، وتبنٍ آخر قائم على التوازن النسبي القابل للاستدامة في علاقاتها مع حلفائها في الشرق الأوسط، فهي تدرك حجم التلاشي في دورها التقليدي إن هي استمرت باعتماد ذلك المنهج. وحتى إسرائيل تدرك أن إدارة ملف علاقاتها الجديدة بالعالم العربي لا يمكن أن يعتمد على الفريق الرئاسي بقيادة جاريد كوشنر، وإن جملة الاختراقات الأخيرة جاءت نتيجة جهود كاردينال الإدارة وزير الخارجية مايكل بومبيو.
تداخلات المشهد يجب ألا تشغلنا عما تحقق من اختراق استراتيجي للموقف الأميركي من قبل الكتلة الخليجية الحرجة، وغياب بعض أطراف تلك الكتلة لا يعني عدم حضورها السياسي، إلا أن لكل ثقل قيمته المضافة. فإلى حين نضج الظروف الموضوعية، وتجاوز الولايات المتحدة وإسرائيل عقبة الانتخابات الوطنية، فإن علينا تحفيز إسرائيل على الانخراط بشكل أكبر في تعزيز فرص نجاح خطوتي الإمارات والبحرين بما تعنيه مستقبلياً وليس سياسياً فقط.
*كاتب بحريني