يعد الاتفاق الذي أعلن عنه في 13 أغسطس بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، هو نتاج مرحلة ثالثة من صنع السلام الإسرائيلي الذي يبني على الدروس المستفادة من المعاهدات السابقة مع مصر والأردن، واتفاقات السلام الفاشلة مع الفلسطينيين. ويجب أن يُنظر إليه في سياق إضعاف المشاركة الأميركية في الشرق الأوسط -لا سيما انسحاب القوات الأميركية من المنطقة -والتحديات المتزايدة من جانب تركيا وإيران.
منذ تأسيسها عام 1948، كافحت إسرائيل لإقامة علاقات مع دول في الشرق الأوسط والدول ذات الأغلبية المسلمة في أفريقيا وآسيا. وكانت المرحلة الأولى من صنع السلام في إسرائيل تهدف إلى مواجهة هذا المأزق من خلال البحث عن علاقات في دول مجاورة للعالم العربي، مثل تركيا وإيران (قبل الثورة) وإثيوبيا.

وبعد حروب تقليدية مع جيرانها العرب بين عامي 1950 و1973، حققت إسرائيل تقدماً عندما وقعت معاهدة سلام مع مصر في عام 1979، ومن الناحية العملية، أنهى هذا أي مخاوف باقية من اندلاع حرب جديدة.
لكن المعاهدة مع مصر تزامنت مع الثورة الإيرانية، حيث لم تفقد إسرائيل العلاقات الدبلوماسية مع طهران فحسب، بل أصبحت الجمهورية الإسلامية الجديدة واحدة من أكثر خصومها عداء.
جاءت المرحلة الثانية من صنع السلام الإسرائيلي في الشرق الأوسط، مع الضغط من أجل الحقوق الفلسطينية وإقامة دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومع نهاية الحرب الباردة وظهور الهيمنة الأميركية على العالم، جاء عصر صنع السلام، من إيرلندا الشمالية إلى جنوب أفريقيا. على هذه الخلفية، اتفقت إسرائيل والفلسطينيون على عملية سلام، عُرفت باتفاقيات أوسلو عام 1993. وقد مهد ذلك الطريق أمام الأردن لتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل. (أقامت دولة عربية أخرى، موريتانيا، علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في عام 1999، فقط، لكنها علقتها عام 2009).
إذا كانت الاتفاقية مع مصر قد أنهت التهديد العسكري التقليدي لإسرائيل، فإن اتفاقات أوسلو كانت تهدف إلى إنهاء الانتفاضة الفلسطينية. لقد نجحت لبضع سنوات قبل اندلاع الانتفاضة الثانية الدموية. ومع ذلك، فإنها عززت سيطرة فلسطينية مستقلة على غزة وأجزاء من الضفة الغربية.

في المرحلة الثالثة، تجاوزت اتفاقيات السلام التي أبرمتها إسرائيل الدول المحيطة بها، وضمن هذا الإطار من المتوقع أن تكون الاتفاقية التي أبرمت مع الإمارات العربية المتحدة هي الأولى من بين العديد من الاتفاقيات. لقد أصبح ذلك ممكناً جزئياً من خلال الدعم الأميركي، الذي كان أساسياً للمعاهدات مع مصر والأردن، فضلاً عن اتفاقيات أوسلو.
هناك عوامل أخرى محفزة، حيث تتوقع الإمارات أن تمنع معاهدة السلام قيام إسرائيل بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وبالتالي تحافظ على الأمل في قيام دولة فلسطينية. وبالتالي، فإن الاتفاقية تدعم المعاهدات التي أبرمتها إسرائيل من قبل مع مصر والأردن والفلسطينيين. كما تقدم الإمارات العربية المتحدة لإسرائيل فرصاً اقتصادية لم تستطع تطويرها مع القاهرة، أو عمّان، أو رام الله.
قد تؤدي المرحلة الثالثة من صنع السلام الإسرائيلي إلى تدشين علاقات طبيعية مع الدول العربية والإسلامية الأخرى بمرور الوقت، ولكن تداعياتها المباشرة يمكن العثور عليها في الترتيبات الاستراتيجية الإقليمية. مع انسحاب الولايات المتحدة من قواعدها في العراق وتقييم التزاماتها في أفغانستان وسوريا، بدأ الشرق الأوسط ما بعد أميركا يلوح في الأفق، حيث تكتسب التحالفات الإقليمية أهمية أكبر.
والمشهد الإقليمي الراهن يتضمن تفاعلات، من بينها أن تركيا لديها تحالفها الخاص، مع دولة خليجية صغيرة ومع حكومة فايز السرّاج في طرابلس الليبية، وكذلك مع «حماس» و«الإخوان المسلمين». وتضم الشبكة الإيرانية سوريا و«حزب الله» اللبناني وميليشيات في العراق واليمن. تركيا وإيران أفصحتا بالفعل عن رفضهما الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي.

ومن المرجح أن تكون علاقات إسرائيل مع الإمارات أقرب من تلك مع شركائها القدامى من الدول العربية التي أبرمت معها تل أبيب معاهدات سلام سابقة. فعلى الرغم من العلاقات الدبلوماسية مع الأردن ومصر، فإنه نادراً ما يتم عقد اجتماعات عامة بين قادة البلدين. لكن من المتوقع أن يكون لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وولي عهد أبوظبي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان علاقات أكثر دفئاً، وسيتطلب هذا التغلب على بعض العقبات الأولية، مثل معارضة إسرائيل لبيع طائرات F-35 للإمارات. لكن اهتماماتهما المشتركة ستضمن تطوير صداقة يُضرب بها المثل.
*المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للتقارير والتحليل.
مؤلف كتاب «بعد داعش: أميركا وإيران والصراع من أجل الشرق الأوسط».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»