هناك وجهتا نظر حول القرار الأميركي هذا الأسبوع، الخاص بفرض عقوبات على اثنين من كبار مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، مما يفاقم حرباً دبلوماسية واقتصادية تختمر منذ أكثر من عام. ويرى منتقدو الرئيس دونالد ترامب أن القرار مثال آخر على التصرفات أحادية الجانب لإدارته. وجاء في بيان «مركز الحقوق الدستورية» أن الولايات المتحدة الأميركية «بتصرفها اليوم، أوضحت أنها تقف إلى جانب الطغاة ومجرمي الحرب، وليس مع ضحايا التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب». 

وترى إدارة ترامب في العقوبات الجديدة المفروضة على «فاتو بنسودا» و«فاكيسو موتشوتسوكو» دفاعاً ضرورياً عن السيادة الأميركية ضد محكمة دولية، يتم النظر إليها، كما لو كانت غير مشروعة وموجهة سياسياً. وكما أعلن مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي، هذا الأسبوع أن قرار المحكمة الذي أصدرته العام الماضي، بإعادة فتح التحقيق بشأن مزاعم تشير إلى أن الجيش الأميركي ومسؤولي الاستخبارات الأميركيين عذبوا محتجزين في أفغانستان «يهدد سيادتنا، ويمثل خطراً على الولايات المتحدة وحلفائنا».

وفهم بومبيو للقضية أقرب إلى الصواب من استياء مركز الحقوق الدستورية. لكن كلا الجانبين يفقدان نقطة أوسع نطاقاً. فالمحكمة الجنائية الدولية نفسها بلا سلطات، إلى حد كبير. فقد أصدرت المحكمة ثماني إدانات فقط في تاريخها الممتد 20 عاماً. وعلى أفضل الأحوال، لا تؤدي أحكامها إلا إلى إزعاج الخارجين على القانون في مرماها. وحتى إذا لم يكن الأمر كذلك، فالولايات المتحدة ليست طرفاً في «نظام روما الأساسي» الذي أقيمت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية عام 1999. وفي هذا الصدد، تستغل المحكمة العقوبات الأميركية المفروضة ضدها، كنوع من المشروعية التي تفتقرها. ولا يرجح أن يجري تسليم أي جنود أو جواسيس أميركيين، ربما تكشف المحكمة ضلوعهم في جرائم حرب. ففي بداية العقد الأول من القرن الجاري، دشنت الولايات المتحدة حملة ناجحة لجعل الحلفاء لا يعترفون بالسلطان القضائي على القوات الأميركية. 

وفي الوقت نفسه، لا معنى تقريباً للحجة التي مفادها أن رفض تحقيق المحكمة على السلوك الأميركي في أفغانستان يضعها في جانب الطغاة ومجرمي الحرب، والتاريخ الأميركي يوضح تهافت هذه الحجة. فحين كتب صحفيون في بداية الأمر عن تعذيب قوات أميركية لمحتجزين، انفجرت فضيحة كبيرة. وأبطلت وزارة العدل الأميركية النتائج القانونية التي أجازت الممارسة. وألغى الرئيس السابق باراك أوباما في فترة ولايته الأولى ما يطلق عليه برنامج «الموقع الأسود» تماماً. وفي عام 2014، أصدرت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي تقريراً مفصلاً بشأن التعذيب، مما أخرج البرنامج الذي كان سرياً ذات يوم إلى العلن وللأبد. 

ويجب القول إنه لم يُحاكم مسؤولون كبار لإجازتهم برنامج التعذيب. وقرار ترامب العام الماضي، بالعفو عن أحد أفراد قوات البحرية أدين بجرام حرب، يقوض المحاسبة الأوسع نطاقاً لبرنامج العدل العسكري الأميركي. لكن هذه الثغرات في المحاسبة لا تجعل الولايات المتحدة معادلاً لبلد مثل كوريا الشمالية التي لا تتعرض لا أي محاسبة عن جرائم الحرب التي ترتكبها الدولة. والأهم من هذا أن المدافعين عن المحكمة الجنائية الدولية يتعين عليهم الأخذ في الاعتبار حقوق الأميركيين المتهمين. فمن حقهم في الولايات المتحدة الخضوع لمحاكمة من هيئة محلفين من أقرانهم. والمحكمة الجنائية الدولية ليس لديها هيئة محلفين على الإطلاق. وقرارات المحكمة يصدرها قضاة جاء بعضهم من دول لا تلتزم بالتقاليد القانونية الغربية. ومن المسوغ أن ينظر المواطنون الأميركيون الخاضعون لمثل هذه الإجراءات باعتبارها «غير مشروعة»، بحسب المصطلح الذي استخدمه بومبيو. 

وبخلاف عدم المشروعية، تدعم المحكمة الجنائية الدولية أيضاً وهماً خطيراً. فالقصاص من الزعماء الأشرار ومجرمي الحرب لا يمكن نيله في قاعة محكمة. فالحرب والثورة هما الطريقة التي تنتصف بها الشعوب من الطغاة في العالم الواقعي. والمحكمة الجنائية الدولية تسمح للدول القوية بدعم الفكرة الضعيفة، التي مفادها أنه من الممكن تحقيق العدل دون تقديم تضحيات صعبة وضرورية لتحقيق عدل فعلي. 

ولننظر إلى قضية الرئيس السوداني السابق عمر البشير، على سبيل المثال. ففي عام 2010، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية تصريحاً باعتقاله. لكنه ظل يجول في المنطقة وحتى بعض الدول الموقعة على «نظام روما الأساسي»، لم ترسل به قط إلى لاهاي. واستلزم الأمر انتفاضة ديمقراطية العام الماضي في الخرطوم، حتى يخضع البشير للمحاكمة. وأعلنت الحكومة الجديدة أنها لن تسعى للتعاون مع المحكمة، إلا إذا عُقدت المحاكمة في السودان. والأفضل أن تتولى محكمة خاصة بالبلد نفسه أمر محاكمة البشير والطغاة من أمثاله. فقد كانت جرائم البشير ضد شعبه في الأساس، ويجب أن يرضى الشعب عن نفسه بتحقيق العدل محلياً في قامعيه.

*صحفي أميركي متخصص في الأمن القومي والسياسة الخارجية. 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»