يُصغي الجميع لإيقاعات ناقوس«العالم الجديد»، الذي ينبه بضرورة بناء مساحة خضراء تحنو على المجتمعات الإنسانية، وتكفل صون تضامنها وبخاصة في أوقات الطوارئ التي تقفز مجرياتها عن حدود التوقعات. وبمعنى آخر، سيُنظر للاستراتيجيات المؤسساتية ابتداءً من مؤسسة «الأسرة»، وحتى النظام الحكومي في أي دولة على أنها درع واقٍ ونظام كفاءة مكتمل الدائرة، وذلك ليس من باب تهميش التعاون، بل استجابةً لمنظومة التعاون العالمي الجديد، إذ لا يمكن الاستمرار بالصعود على سلم خشبي هش، آيل للسقوط في أي لحظة بفعل قوة اندفاع المصعد «النهضوي» الذي يوازيه في خضم سباق الريادة الحضاري. 
لقد وجهت جائحة «كورونا» رياحها لتنوء بالأنظمة أولي القوة، فلم يصمد أمام ترسانتها لا نظام صحي، ولا اقتصادي ولا اجتماعي، بل إنها أنتجت أساسات جديدة حورت من الأدوات والوسائل التي يتم النظر من خلالها للأنظمة البشرية كافةً، وفي جميع الدول. قاذفة بالإنسان من نافذة المأمول، لمعترك صناعة المعقول، وسبل صون الإنسان ضد المجهول. 
وعلى صعيد تمثيل دولة كبرى مظلة واسعة، فقد ظهرت مظلة أكثر رحابة لا تعترف بحدود الأولى، فلا قطبية تحكم العالم بعصا سحرية، بل هناك علاقات إنسانية من الطراز الأول ذات طوابع تعاونية تشاركية، إبداعية وخلاقة، ذلك أن المنتظر تقديمه من إنجازات لا يمكن تحقيقه إلا بدعامات ضخمة يعاضد بعضها الآخر، ويحيد بآثار الشرخ الاقتصادي والصحي والثقافي والبيئي والعلمي الممتد من أول دولة في العالم لآخرها. 
إن خطة «أنا نحن» كما أسميها أو «خطة مارشال» الجديدة التي لابد من استيعابها لن تكون ترفاً بل طوقاً للنجاة، وليس بأدل على ذلك من المستجدات الأيديولوجية للدبلوماسي الأميركي هنري كيسنجر التي أصبحت تبصر العالم من خلال «نحن» بعدما كانت تتمركز حول «أميركا»، متفقاً مع الجميع في حتمية تغير العالم، مستخلصاً من خطة «مارشال» ومشروع «مانهاتن» حتمية إيجاد صفحة جديدة أكثر مرونة في منهجية التعامل مع مسلسل «الأوبئة الفتاكة» و«الأمراض المعدية»، وإيجاد عقاقير سريعة المفعول لمعالجة نزف الاقتصاد العالمي، وإيقاف سيل التداعيات الخطيرة القادمة على المجتمعات وبخاصة الضعيفة «مادياً»، إضافةً لحماية مبادئ النظام العالمي الليبرالي، والدفاع عن قيم التنوير لتستمر ديمقراطيات العالم.
ما يفيد به كسينجر وغيره الكثير من مثقفي العالم، وبخاصة أصحاب الخبرات الوفيرة على الصعيد الاقتصادي والسياسي، من اقتراب العالم من حقبة طاحنة وعقدة صعبة لابد من التعامل معها بعيداً عن الإطالة في التمعن، وهو ما دخلت في سجالاته العديد من الدول ووقعت أحياناً في إشكالية الاختيار بين حماية الفرد أو حماية المستقبل، فالمجتمعات الإنسانية تقف على شفير هاوية لا يبعدها إلا «أياد ثقيلة»، وعقول متوازنة قادرة على إدارة الأزمة، واستباق الأحداث. 
ومن ذلك كله نتطلع لنقول مرحباً بالعالم الجديد، ونخشى أن يكون ترحيباً على استحياء، وبخاصة أن لا رجعة للعالم القديم، ولا عودة لأدواته التي أضحت سلعاً مميزة في «المتاحف» وكتب عصر «ما قبل كورونا» فقط. إن فيروس كورونا الشرس أدخل العالم في بوتقة، حين يخرج منها لن يتذكر ما تعنيه كلمة «اختلاف»، ولا يلفته تنوع الأعراق أو الديانات. إن العالم الجديد لا ينظر للجمود ولا يعرف التبرير ولا التأخير. وأقل ما يقال فيه أنه عصر الفيروس الذي توقع العلماء ومراكز الأبحاث ظهوره بعد 800 سنة، استجابةً لطور تطوراته الطبيعية، ولكنه صدم بل واصطدم بالإنسان، مما يعني ميلاد نهضة سابقة لعصرها، وقافزة عن أوانها. إنه عصر تتقن أجياله التكنولوجيا بكفاءة توازي مختصي «العالم القديم»، ومؤسساته ومنظماته تنتقل لحقبة غير مسبوقة في خططها الاستراتيجية وطريقة اختيار كوادرها، وأدوات إنتاجيتها. وحيال ذلك كله ينتظر العالم تحديد الأولويات، والانطلاق نحو خطة «أنا نحن»!
*أمين عام «المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة»