عندما تنقل عناوين الصحف الكبرى وكتّاب الأعمدة جميعاً الرسالةَ نفسَها، فاعلم أن شيئاً «كبيراً جداً» قد حدث بالفعل. «إسرائيل والإمارات العربية المتحدة تعقدان معاهدة سلام تاريخية»، هكذا عنونت صحيفة «ذا فايننشال تايمز». أما صحيفة «تليغراف» اللندنية، فكتبت: «إسرائيل نحو تطبيع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة في اتفاق تاريخي اعتمده دونالد ترامب». ومن جانبها، كتبت صحيفة «ذا واشنطن بوست»: «ترامب يعلن عن اتفاق سلام تاريخي بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة»، بينما جاء في عنوان لصحيفة «ذا نيويورك تايمز»: «إسرائيل والإمارات العربية المتحدة تعقدان اتفاقاً دبلوماسياً كبيراً». وكتبت صحيفة «ذا وول ستريت جورنال» أن «المعاهدة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة اعتُمدت بعد أشهر من المحادثات».
وها قد اتسع سجل ثلاثيات السلام في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر المرتبط بلقب «صانع سلام»، ليشمل ثلاثةً آخرين: ففي 1978 كان هناك الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن والرئيس الأميركي جيمي كارتر، وفي عام 1994 كان هناك الملك الأردني حسين ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين والرئيس الأميركي بيل كلينتون، وفي عام 2020 أصبح لدينا صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي ، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الأميركي دونالد ترامب. 
السادات وبيجن حازا على جائزة نوبل للسلام في عام 1978. ورابين حاز على الاعتراف نفسه في عام 1994، متقاسماً إياه مع شريكه الإسرائيلي أيضاً شمعون بيريز. لكن على نحو لا يصدق، تُجوهل الملك حسين وكُرِّم الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات أيضاً في تلك السنة، رغم أن عرفات رفض، في نهاية المطاف، اتفاقاً شاملاً كان من شأنه أن يجعل من دولة فلسطينية واقعاً قبل عقدين. وهذا العام، ينبغي أن يتم تقاسم الجائزة بين الثلاثة. 
آخرون سينضمون قريباً إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد وترامب ونتنياهو في تفضيل السلام والتجارة والاستثمار والسفر.. على متوالية المواجهات والحروب والصراعات المريرة. إذ يقال إن دولا أخرى باتت قريبة من الانضمام إلى الإمارات في اتفاق سلام مع إسرائيل. وقد لا تكون دول أخرى مهمة بعيدةً، في وقت يبحث فيه قادتها المصالح طويلة المدى للمنطقة والعالم. بل وحتى السلطة الفلسطينية التي كانت غاضبة الخميس الماضي، لابد أنها سترى الآن «نهاية اللعبة». وإذا كانت لجنة نوبل تسعى حقاً لتشجيع السلام -وليس التصفيق له فقط- فإنها ستضع شيئاً واحداً في عين الاعتبار: أن ما يكافَأ يُكرر. 
مسؤول رفيع من مجلس الأمن القومي الأميركي أخبرني، يوم الخميس الماضي، بأن « صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد نال مكانة مرموقة في العالم العربي» بفضل الاتفاق. وقال المسؤول أثناء حديثه عن ردود الفعل على الاتفاق التاريخي بين الإمارات وإسرائيل، إن «كل مَن يفترض أن يكون مستاءً كان مستاءً»، مضيفاً: «لا يوجد هنا سوى الخير لإسرائيل والإمارات». 
المسؤول أكد لي تعقيد جهود المفاوضات. فوزير الخارجية مايك بومبيو عين ممثله الخاص لإيران بريان هوك مساعداً رئيسياً له بخصوص الاتفاق، ومستشار الأمن القومي روبرت أوبريان اعتمد على موظفين حاليين ومتقاعدين وملحقين عسكريين سابقين للاشتغال على الاتفاق. ويُعد كبير مستشاري الرئيس، جارد كوشنر، المحرّك الرئيسي لخطة ترامب للسلام، ومساعد كوشنر الرئيسي هو المحامي الشاب خريج جامعة هارفارد «آفي بيركوفيتس». وقد جرت مناقشات شملت الكثير من التفاصيل. كل هذا تم سراً، والبيت الأبيض المليء بالتسريبات في عهد ترامب (على ما يفترض) لم يتسرب منه شيء حول هذا الموضوع. 
وكان هناك كثير من الأجزاء المتحركة وكثير من اللاعبين.. فالسلام ليس سهلاً بالطبع. والتوصل للإنجاز الأميركي في كامب ديفيد عام 1978 تطلّب الهجوم المفاجئ ضد إسرائيل  وهزيمة في حرب أكتوبر 1973، متبوعين بدبلوماسية محمومة من الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر في أعقابها، وخمس سنوات من جهود الحزبين. ومن جانبه، دفع ترامب في اتجاه السلام في المنطقة منذ توليه الرئاسة، مما يثبت أن الرأي السائد بين نخب الأمن القومي في واشنطن، أصبح قديماً ولم يعد ملائماً. 
وعندما حذّر سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، من ضم إسرائيل أراض في الضفة الغربية، شدّد على الفوائد الجمة لاتفاق سلام بين دول الخليج وإسرائيل: «أمن أكثر، ورحلات مباشرة، وأسواق موسعة، وقبول متزايد»، ثم أضاف: «هذا هو ما يمكن أن يكون عليه الوضع العادي». والآن، هذا هو الوضع. فهنيئاً لكل الأطراف!
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»