«إن رحلات الفضاء يفخر بها كل إنسان على وجه الأرض، لأنها تجسد الإيمان بالله وقدرته». جملة خالدة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قبل 49 عاماً. ومنذ إقامته اتحاد الإمارات، بدأ الشيخ زايد ذو الرؤية الثاقبة والتطلعات الكبيرة، إرساء أركان الدولة على أسس طموحة ومتحضرة، يكون للعلم والبحث العلمي النصيب الأكبر فيها، فضلاً عن ربطه ذلك بتقوية الإيمان بالله تعالى، من خلال دراسة الفضاء ورصد الكواكب والمجرات، عبر دراسة علمية مستفيضة تنفع البشرية، وتساهم في رفع راية العلم والمعرفة.
وأتساءل أحياناً: كم هي عالية طموحات حكام دولة الإمارات وعقول مبدعيها؟ لكن سؤال الدهشة لا يلبث أن يزداد إلحاحاً بعد كل قفزة مبهرة لهذه الدولة الطموحة والمبتكرة، والتي تسير بخطوات واثقة ومتسارعة لمواكبة أعظم ما وصلت إليه الحضارة من وسائل تكنولوجية حديثة، ليتحقق اليوم حلم «مسبار الأمل».
ولم يكن هذا الحدث، بالنسبة لنا في المملكة العربية السعودية، حدثاً عابراً، بل كان هو «الأمل» بكل ما يحمله من معنى؛ فنجاح المشروع الذي استمر إنجازه على مدى ست سنوات من الأبحاث والدراسات والصناعات، هو بلا شك نجاح لنا جميعاً، وتفوق أشقائنا في الإمارات هو تفوقنا في منجز عظيم نفخر به جميعاً لدولة تزخر بكل مقومات التطور ومحفزات ارتياد الفضاء في أجمل وأكبر رحلة تتجه نحوها أنظار العالم كله، وتنساق إليها تطلعات الجميع؛ أي رحلة «مسبار الأمل» وحلم الشيخ زايد، رحلة المسبار الذي سيصل إلى المريخ في عام 2021، بالتزامن مع اكتمال نصف قرن على تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة. لذا فهو يوثق خمسين عاماً من النجاحات والإنجازات، لنحتفل سوياً بذكرى قيام دولة الإمارات ونجاح مشروعها الأكبر حتى الآن، وليس الأخير، في قلب الفضاء الخارجي.
إنها رؤية ثاقبة تقودها دولة الإمارات عبر كفاءات علمية طموحة، ومن خلال شراكة علمية مسؤولة، تعيد للمشهد الإنساني في مشارق الأرض ومغاربها قدرة العقل على صنع المعجزات العلمية في البحث والاستكشاف، لتنفيذ مشروع فضائي يجعل دولة الإمارات في رهان كبير، ويضعها في الصف الأول بين الأمم. ولو عدنا للوراء قليلاً، سنجد أنه في عام 2013 اجتمعت عقول فذة من حكومة دولة الإمارات لتضع أحلامها على الورق، مستلهمةً من طموحات المؤسسين، ومتسلحةً بالإصرار والعزيمة التي لم توقفها التحديات، حيث بدأت تنفيذ المشروع، وواصلته حتى اكتمل كما كانت تصبو إليه قلوب المؤسسين، أي إقامة قاعدة علمية فضائية ينطلق منها العلماء والباحثون لدراسة كوكب المريخ وفرص العيش فيه، كونه أقرب الكواكب إلى الأرض، من حيث فرص الحياة عليه وجغرافيته وطقسه ومكوناته، ورسم ملامح عربية مستقبلية في علوم الفضاء وأبحاثه على أيدي 200 مهندس إماراتي وإماراتية صمموا المسبار بخبرات تراكمية، ومن خلال 31 ورقة بحثية علمية، و200 تصميم تكنولوجي، و66 قطعة ميكانيكية تم تصنيعها كلها في الإمارات. وهي ذات العقول التي شاركت في إنجاز القمر الاصطناعي «خليفة سات2».
إن «مسبار الأمل» هو فعلاً أمل جديد لخدمة العلم والإنسانية جمعاء، وعلوم الفضاء بأبعادها المتطورة، هي السبيل المشرِّف والحقيقي للولوج إلى المضمار العلمي من أوسع أبوابه، فهنيئاً للإمارات الحبيبة ولنا جميعاً بهذا السبق الفضائي المتقدم، وكل التمنيات لدولة خططت أحلامها على الأرض ولم تقبل بما هو دون أعالي «سقف الفضاء»!

*كاتبة سعودية