لا يخفى أن الرئيس دونالد ترامب وجون بولتون، مستشاره السابق للأمن القومي، يعتنقان النظرية الواقعية، التي ترى أن القوة هي الأداة المركزية لإدارة العلاقات الدولية، وأن الصراع هو الأساس، وأن المصالح القوميّة للدول غير متطابقة بطبيعتها. لكن الفارق بين ترامب وبولتون، أن الأول يعتبر الأداة الاقتصادية، وليست العسكري، هي الأنسب والأكثر فاعلية لإدارة العلاقات الدولية. أما بولتون الوفي لمدرسة الواقعية السياسية لدى «هانز مورغانثو» فيعتقد أن القوة الخشنة هي الأداة الأفضل دائماً. هذا هو جوهر الصدام بين الرجلين والذي يحاول بولتون في كتابه «الغرفة التي شهدت الأحداث» (2020) توضيحه بالقرائن؛ مثل الموقف من الصين وإيران وفنزويلا وسوريا وروسيا وكوريا الشمالية، وبعض الحلفاء الأوروبيين. هذا التباين، يقول بولتون، هو الذي جعل السياسة الأميركية تبدو مرتبكة. والكتاب المكون من 500 يصعب تلخيصه على نحو دقيق، لأهمية الموضوعات وطبيعتها الحساسة، إضافة إلى شموليته الواسعة في الحديث حول العلاقات الأميركية وتفاصيلها، وحول مساحة الفعل السياسي الاستراتيجي الأميركي الذي يشمل العالم كله. وإذا تجاوزنا نحو السؤال: أيهما أهم بالنسبة للرئيس، الاستماع لهيئات صنع القرار، ودراسة البدائل قبل اتخاذ القرار، أم الاهتمام بالعلاقات الشخصية وتفضيل الولاء للرئيس؟ فالإجابة حسب المؤلف هي: نعم للعلاقات والولاء أولا.
وثمة موضوعات رئيسية منها ما يهمنا نحن العرب وبعض دول الإقليم، حيث يبدي بولتون في كتابه كراهية لإيران وعدم ثقة بها، ويرى أن القوة هي الحل الأنسب للتعامل معها، فهو من أنصار تغيير النظام الإيراني، بينما يميل ترامب لتغيير سلوكها. ويشعر بولتون أن البرنامج النووي الإيراني يسير باتجاه تحويل إيران قوةً نوويةً، مما سيدفع دولا أخرى في المنطقة في هذا الاتجاه. ويرى أن موضوع القيم الليبرالية لا أهمية لها في رؤية الرئيس لتحالفاته مع الآخرين، ويعطي مثالاً بـ«غياب العدالة التجارية» في المفاوضات مع بعض الدول، في إشارة للصين. ويسرد الكتاب مواقف ترامب ضد اتفاقية المناخ، وانسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، وإصراره على رفع معدل إنفاق حلفائه في ميزانية حلف «الناتو» إلى 2٪، وغمزه من الموقف الألماني والفرنسي، ثم انسحابه من منظمة الصحة العالمية، ووقف مساعداته لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين. ويتساءل ساخراً: «كيف توكل لكوشنير تسوية صراع الشرق الأوسط الذي فشل حتى كيسنجر في حله؟!».