هل اليوم يشبه الأمس؟ عند كارل ماركس «التاريخ يعيد نفسه». هذا صحيح إلى حد بعيد، لكن المؤكد أن أحداثه تتشابه وكأن الناموس الأزلي الدائم والباقي هو قانون التغير والتغيير ولا ثابت إلا الله وحده. في عام 1919 سطر الكاتب الأميركي «جون ريد»، أحد مؤسسي حزب «العمال» الشيوعي الأميركي، والذي أضحى لاحقاً الحزب الشيوعي كتابه الذي يرجع إليه بعد مائة عام وعنوان «عشرة أيام هزت العالم».
وقعت تلك الأيام في الفترة ما بين 16 و26 أكتوبر 1917، وهي أيام الثورة الروسية الكبرى، ولا يزال ما كتبه «ريد» أهم مرجع في تأريخ الثورة البلشفية التي جاءت للعالم بالنظام الاشتراكي.
يعن لنا أن نساءل التاريخ :«هل الأيام العشرة التي أعقبت اغتيال جورج فلويد في مينيابوليس بولاية مينسوتا شبيهة بدرجة أو بأخرى بتلك التي جرت في روسيا قبل مائة عام؟
يذهب البعض إلى أن أميركا تعيش لحظة مصيرية بالفعل، لا سيما بعد أن انكشف تهافت طرح الكاتب والدبلوماسي الفرنسي «جون دي كريفكير»، في أواخر القرن الثامن عشر، والخاص بـ «بوتقة الانصهار»، تلك التي ضمنها كتابه «رسائل من مزارع أميركي»...ماذا يعني ذلك؟
يعني أنه، وبعد ثلاثة قرون لا يزال التمايز بين الأعراق والأجناس واضحاً، والمحاصصة قائمة، ومخاوف الرجل الأبيض من تغير التركيبة السكانية يدفع في طريق الصدام في الزحام، والاحتكاك في الظلام.
ما جرى في أميركا يحمل مواجهة بشكل أو بآخر بين أساسات الرأسمالية وجذورها النيوليبرالية، وبين ميول للعودة إلى الاشتراكية، ولهذا رأينا عملية إزاحة من جديد للسيناتور بيرني ساندرز، وقبول جو بايدن على مضض، فهل هذا بداية التحول الكبير بعد سنوات من الدعوة لاحتلال «وول ستريت»؟
الذين عندهم علم من كتاب وضعوا أياديهم على صدورهم، وتساءلوا: هل ما جرى في العشرة أيام الأميركية يحمل إرهاصات ثورة للجنرالات وانقلاب مسلح على الإدارة السياسية. وقد كان موقف «مارك أسبر» وزير الدفاع وكبار جنرالات البنتاجون قريباً من ذلك في اعتراضهم على فكرة ترامب باستخدام الجيش ضد المتظاهرين؟
ما جرى استدعى كارثة تشظي النسيج المجتمعي الأميركي، والعودة إلى فكر الميليشيات وحماية الذات، وتفشي التسليح بين الأهالي، فهل هذه مقدمة لتفكك أميركا كما استشرف ذلك عالم المستقبليات ألفين توفلر منذ عدة عقود؟
ليس سراً أن الولايات الكبرى والغنية تتململ منذ وقت طويل تجاه الولايات الأفقر، والأضعف، وعليه هل يمكن أن يكون هذا بداية انفراط العقد الاتحادي الأميركي؟ كيف سيكون حال ومآل العالم إذا ضرب الزلزال أميركا مثلما فعل مع الاتحاد السوفييتي سابقاً أوائل التسعينات؟ وكيف يمكن أن يضحى حال العالم الذي لا تزال واشنطن فيه بمثابة روما العصر، ودولارها الأخضر هو حجر الزاوية في الاقتصاد العالمي؟ قبل نحو شهرين تكلم القيصر بوتين عن «يالطا» جديدة يعاد فيها تشكيل العالم، ما يعني أن النظام العالمي الجديد لبوش الأب قد ولى زمانه.
وإذا كان النسر الأميركي قد تقدم به العمر، فهناك محاولات من التنين الصيني لملء مربعات النفوذ والقوة حول العالم. «عشرية فلويد» هزت أميركا والعالم من ورائها.
*كاتب مصري