في الأيام القليلة الماضية، أعلن مسؤولون من بنجلادش ومن الأمم المتحدة، اكتشاف أول حالتي إصابة مؤكدة بفيروس كورونا في منطقة المخيمات، التي تأوي نحو مليون من لاجئي الروهينجا، الحالة الأولى طالت أحد اللاجئين والثانية أصابت أحد السكان المحليين يعيش في حي مجاور لمخيم اللاجئين المزدحم والفقير في «كوكسز بازار»، المدينة الواقعة في جنوب شرق بنجلادش على الحدود مع ميانمار، والظروف التي يعيشها الكثيرون في المخيمات تدفع خبراء إلى الاعتقاد بأن المرض قد ينتشر سريعاً.
وقد حذّرت «ديبمالا مهلا»، المدير الإقليمي لمنطقة آسيا في منظمة «كير» للمساعدات الإنسانية، في تصريح لصحيفة «واشنطن بوست»، من «انعدام النظافة المرافق الصحة الملائمة» في المخيمات، بما في ذلك عدم توافر الصابون والماء، ومخيمات لاجئي الروهينجا تمثل أحد أكثر الأماكن اكتظاظاً وازدحاماً، حيث يعيش 70 ألف شخص في الكيلو متر المربع في بعض المناطق، والتباعد الاجتماعي في ظل هذه الظروف شبه مستحيل فعلياً.
وتضيف التطورات طائفة جديدة من المحن لواحدة من أكثر التجمعات السكانية بؤساً في العالم، فغالبية اللاجئين الروهينجا في «كوكسز بازرا» أُخرجوا من ديارهم في حملة تطهير عرقي قادها جيش ميانمار بدأت عام 2016، ولا مجال لعودة معظم اللاجئين إلى منازلهم في ولاية راخين في ميانمار، لأن النيران اُضرمت في قراهم، وقُتل سكانها والسلطات في ميانمار ترفض الاعتراف بحقوقهم في المواطنة والإقامة.
وما اعتبرته جماعات حقوق الإنسان حملة تطهير عرقي ضد الروهينجا، سبقتها سنوات من الاضطهاد والتهميش الممنهجين، وتؤكد «مهلا» أنها تتحدث عن طائفة من الناس «يعانون بالفعل من صدمة عميقة، وفئة كبيرة منهم يعانون من ظروف صحية سيئة»، نتيجة الفقر وسوء التغذية، مما يجعلهم أكثر ضعفاً وهشاشة أمام احتمال إصابتهم بالفيروس.
وهذا الحال البائس يمثل محور معرض جديد في «متحف هولوكوست التذكاري» في الولايات المتحدة، والمعرض متوافر افتراضياً على الإنترنت الآن، وهناك خطط لإقامة معروضات مادية في فترة لاحقة من العام، ويرسم المعرض، من خلال الصور ومقاطع الفيديو والشهادات الشخصية، صورة للاضطهاد المتصاعد الموجه ضد الروهينجا الذين تحولوا من مجرد طائفة بين عدد من الطوائف العرقية المختلفة، التي تتألف منها ميانمار (بورما سابقاً) إلى هوية تتعرض للطمس على يد القومية العرقية المهيمنة على الجيش والسلطة.
وألغت سلطات ميانمار جنسية كثيرين من الروهينجا في ثمانينيات القرن الماضي، ووصفتهم باعتبارهم متطفلين من المسلمين البنغال القادمين من بنجلادش، رغم أن جماعات الروهينجا لها حضور موثق منذ فترة طويلة في البلاد، والذين مكثوا في البلاد حُرموا من الحقوق الأساسية، بدءاً من إمكانية الحصول على خدمات الدولة إلى القدرة على التصويت في الانتخابات، واللاجئون في المخيمات بلا دولة ينتمون إليها، ومنبوذون بالعراء لا تريدهم أي دولة، ويأسهم يتفاقم.
ويرى المتحف أن دوره لا يقتصر على سرد قصة المأساة فحسب، بل أيضاً ضمان ألا تتكرر الظروف التي أدت إلى أبشع عملية تطهير في القرن العشرين، وعلى مدى سنوات أصدر «مركز سايمون سكوت لمنع التطهير العرقي»، التابع للمتحف علامات تحذير مبكرة من مثل هذا العنف، فقد حذّر في عام 2015 من أن الروهينجا يمثلون طائفة «يحتمل بشكل كبير أن تتعرض لعمليات وحشية جماعية أخرى بل وتطهير عرقي». وصرحت ناعومي كيكولر، مديرة المركز، بأنه «في مرحلة من المراحل كان هناك أعضاء في البرلمان من الروهينجا، أما الآن فيجري مسحهم أساساً من السجل السكاني للبلاد».
وأعلن «تان خين»، رئيس «منظمة الروهينجا الميانماريين في المملكة المتحدة»، في بيان نشره المتحف قائلاً: «تعرضنا لاضطهاد الحكومة الميانمارية والشرطة والسياسة في مسيرة بطيئة نحو التطهير العرقي تسعى لتدميرنا، يتعين أن يعلم الجميع أن التطهير العرقي ما زال يحدث في القرن الحادي والعشرين، ومن خلال هذا المعرض سيتمكن الناس من فهم ما عانيناه».
وحتى الآن، لم تُجبِر انتقاداتُ جماعات حقوق الإنسان وبعض الضغوط الممارَسة من قبيل الحكومات الغربية، زعماءَ ميانمار على تغيير نهجهم حيال قومية الروهينجا، ومن المقرر أن يجري تقديم تقرير لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، خلال الأيام القليلة المقبلة، بشأن مدى التزام البلاد بمنع التطهير العرقي والحفاظ على أدلة وقوع تطهير عرقي محتمل، لكن الخبراء لا يرون إلا القليل من المؤشرات على أن الأنظمة الأساسية للتمييز ضد الروهينجا تم التخلص منها أو أن هذا سيحدث قريباً.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، ظهرت مأساة معتادة أخرى بظهور لاجئين من الروهينجا يتكدسون في قوارب متداعية ويتحدون بحر «اندامان»، بحثاً عن ملاذ في ماليزيا. والمخاوف من فيروس كورونا قد تزيد احتمالات رفض دخولهم (الكبيرة أصلاً) ليجدوا أنفسهم تائهين في عرض البحر، وصرح «عمر واريتش»، المسؤول عن منطقة جنوب آسيا في منظمة العفو الدولية لـ«واشنطن بوست»، قائلاً: «لا نعرف عدد الذين لقوا حتفهم في القوارب على مدى الأسابيع القليلة الماضية، لا توجد مقابر أو شواهد قبور لإحصاء العدد ورصد الأسماء، قد لا يجدون في النهاية أرضاً تقبل رفاتهم، إنهم يعاقَبون، ليس بسبب ما اقترفوه، بل بسبب هويتهم».

*محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»