«كونوا مثل السويد!». ظهر هذا الشعار على لافتة نهاية الأسبوع الماضي في مينيسوتا، وهي واحدة من بعض الولايات الأميركية التي يضغط فيها المحتجون على الحكام من أجل التراجع عن قرار الإغلاق. فقد ظلت السويد، خلافاً للولايات المتحدة وبلدان أخرى كثيرة، مفتوحةً إلى حد كبير للعمل، لكن خبراء الأوبئة انتقدوا هذه المقاربة، وجمعوا بين مجموعة من القيود والتوصيات القوية بالعزل الذاتي للمجموعات المعرّضة للخطر، وأي شخص يشعر بالمرض، وبممارسة التباعد الجسدي الطوعي للآخرين.
لكن لماذا ما زال الرأي العام السويدي يبدي مستويات عالية ومتزايدة من الدعم؟ حتى 30 أبريل، كانت السويد من بين البلدان العشرة في العالم التي لديها أعلى نسبة من الوفيات بسبب «كوفيد -19» في كل مليون نسمة من السكان، بمعدل 244 وفاة. وهذا أعلى بسبع مرات من فنلندا والنرويج المجاورتين. وإذا كان جزء أساسي من استراتيجية السويد يتمثل في فصل المسنّين وعزلهم، فإن ثلثي دور رعاية المسنين في ستوكهولم باتت مصابة بالفيروس الآن. وبالتالي، فإن تقديرات 10 آلاف إلى 20 ألف وفاة لم تعد مستبعدة.
المواطنون غمروا مقر «وكالة الصحة العامة» السويدية بالزهور، بل إن الثقة في الوكالة ارتفعت إلى 73 في المئة. وفي ظرف شهر واحد، ارتفعت الثقة في الحكومة بـ23 نقطة مئوية.
فهل يمكن أن تفسِّر الثقةُ دعمَ السويديين القوي للطريقة التي ردّت بها السويد على فيروس كورونا رغم معدل الوفيات المرتفع نسبياً؟ السلطات السويدية والأكاديميون السويديون ما فتئوا يذكّرون الجميع بأن السويديين يثقون ببعضهم بعضاً، ويثقون بمؤسساتهم. وكذلك يفعل الدانماركيون والنرويجيون والكنديون أيضاً. فهذه البلدان ردّت على تهديد الوباء بشكل أقوى بكثير!
والأرجح أن ما نراه في السويد هو الجانب المظلم للقومية. ولا شك أن الكثير من السويديين الذين يقولون «دع السويد تبقى السويد»، يؤيّدون الهجرة الواسعة والتعاون الدولي، لكن هذه القناعات ليست لقاحاً محصّناً ضد القوى السيكولوجية للقومية.
وعلى غرار أي هوية جمعية، تُعد الهوية القومية قوة كبيرة. وفي كتاب «القومية الليبرالية ومنتقدوها»، بيّنتُ ومساهمون آخرون، كيف تستطيع الهوية القومية شحن كل من الجانبين الأحسن والأسوأ في السلوك الإنساني. وفي مقال بحثي حديث لي، أكدت أنه عندما تكون القومية قائمةً على النقد الذاتي وعلى ثقافة عامة مشتركة، فإنها تستطيع أن تكون ليبرالية من حيث طبيعتها على نحو مشروع أو حتى تقدمية. غير أنه عندما تتخذ القومية شكل ولاء أعمى، تصبح خطراً على الديمقراطية الليبرالية. وفي بحث مع لودفيغ ستيندال، وجدتُ علاقة قوية بين شعور المرء بالفخر إزاء جنسيته والوثوق في المؤسسات السياسية في بلده.
في السويد، يمثّل الأشخاص الذين يقولون إنهم فخورون «جداً» أو «بالفعل» لأنهم سويديون 92 في المئة من السكان. ومقارنة بالبلدان المجاورة، يبرز الفخر بالاقتصاد بشكل خاص. فنسبة الـ«فخورين جداً» بالاقتصاد في السويد تبلغ 18 في المئة. أما في الدنمارك وفنلندا، فتبلغ 19 في المئة، و7 في المئة على التوالي.
والواقع أن الفخر الكبير والثقة السياسية يمكن أن يفيدا المجتمع كثيراً، لكن عملي يُظهر أيضاً أن الفخر الوطني يُضعف التضامن الاقتصادي داخل البلد، ويؤدي إلى تآكله. ذلك أن الفخر الكبير يمكن أن يتحول إلى ثقة عمياء إذا لم يوازَن بالالتزام بنقد ذاتي وطني، وهو ما يسمّيه الباحثون الوطنية النقدية البنّاءة. وقد درستُ المواقف السويدية إزاء هذا الموضوع باستخدام أحدث البيانات المتاحة عندما تصاعدت أزمة فيروس كورونا.
لقد اعتاد السويديون على الإطراء الدولي لنظامهم الخاص بالرعاية الاجتماعية، وتضامنهم مع اللاجئين، ونضالهم في موضوع تغير المناخ. وفي دراسة تعود إلى عام 2013 عبّروا أيضاً عن فخر بديمقراطيتهم أكثر من الشعوب في العديد من الديمقراطيات المستقرة الأخرى. والآن، وبشكل مفاجئ، يشير خبراء دوليون ووسائل إعلام من الخارج إلى أن المواطنين السويديين قد يكونون متهورين وقساة.
هذا الوضع من المحتمل أن يكون قد أثار تهديداً للهوية القومية في أذهان الكثير من السويديين. وهذا يأتي إضافة إلى التهديدات المرتبطة بالصحة والسلامة التي يطرحها الفيروس نفسه والأزمة الاقتصادية المرافقة له.
المشكلة هي أن التهديد والقومية كثيراً ما يُثبتان أنهما مزيج قاتل. ذلك أن الأشخاص الذين يعتقدون أن بلدهم أكثر تفوقاً من البلدان الأخرى، أو فوق الانتقاد، لا يطرحون خطراً على الديمقراطية، في الأزمنة الآمنة، غير أنهم يصبحون شرسين عندما يتصورون أن ثمة خطراً على بلدهم، وهو ما سمّاه المفكر البريطاني آزيا برلين قومية «الغصين المنحني»: يرتد على أي شخص يضع قدمه عليه.
وفي السويد، هناك مؤشرات على أن هذه العملية ربما تكون قد بدأت بالفعل. ذلك أن منتقدي الاستراتيجية السويدية لمكافحة الوباء يقابَلون بالعدوانية والسخرية في كل من وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية. وقد تكون الأقليات التالية على القائمة. فهذا الرئيس السابق لقسم الأوبئة جوهان جيسيك، مثلاً، علّق الفشل في حماية المسنين على المهاجرين قائلاً: «إن الكثير من الأشخاص الذين يعملون في مؤسسات رعاية المسنين هم من بلدان أخرى، إنهم لاجئون أو طالبو لجوء.. وقد لا يفهمون دائماً المعلومات».
وقد يتضح أن الكبرياء الوطني المجروح مرض لا يملك السويديون، بغض النظر عن عقلانيتهم، مناعةً ضده أكثر من الآخرين.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»