شهر رمضان هو موسم الرسالات السماوية، التي تلقاها الأنبياء عليهم السلام، ففي أول ليلة من رمضان كان نزول صحف نبي الله وخليله أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام، وفيه أيضا أُنزلت التوراة والإنجيل، كما ثبت ذلك في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهو بنص القرآن الشهر الذي أُنزل فيه القرآن الكريم: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)
وهذه الرسائل السماوية العظيمة التي ارتبطت بهذا الشهر الكريم، تحمل للإنسانية مبادئ سامية، ومعاني قيِّمة، وحِكَما جليلة، لا تمحوها السنون ولا القرون، ولا تتجاوزها الأمم والحضارات، لأن هذه الرسائل قد اتفقت جميعها على ترسيخ الإنسانية، والدعوة لقيم الرحمة والخير، والتعاون والعدل والتسامح، وتلك هي «الحنيفية السمحة» دين الأنبياء عليهم السلام، وقد جاءت رسالة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، بمثابة «اللبنة» المتممة لذلك البناء القيمي، فأتم الله على يديه مكارم الأخلاق وفضائل الشيم، كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم في قوله: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»
في هذا السياق تأتي كلمة سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في مجلسه الرمضاني العامر، المنعقد في الأسبوع الأول من رمضان هذا العام، فألمح، يحفظه الله، في كلمته الثمينة، التي تحوي رسائل عديدة، إلى ضرورة تمثل هذه الرسالة الخالدة، والارتباط بقيمها، وقد وصف -حفظه الله- واقع الشأن الديني على مستوى العالم الإسلامي، ووضع الأصبع على أعطاب هذا الواقع، ورسم المنهج الذي يوصلنا إلى الهدف المنشود، والذي حدده في تمثيل رسالة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وكانت الوصفة العلاجية التي وجه بها سموه، تكمن فاعليتها في الموازنة بين القيم الإيمانية والوطنية، وأن تكون الكوادر العاملة في الشأن الديني تُمثل قيم بلدها وتحترم ثقافته وتعتز به، وتسهر على مصلحته، وفي الوقت ذاته تترسم رسالة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذه الرؤية من سموه تدل على أن الآفات والمزالق التي تعتور الخطاب الديني طوال العقود الأخيرة، تؤول للتفريط في أحد هذين الجانبين، بأمور ضيّعت الأوطان، واستصغرت من قيمتها أمام مشاريع ومبررات وأيديولوجيات فرضها أناس تصدروا جريمة اختطاف الدين ومارسوها بأبشع الطرق.
إن رؤية سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد الدينية رؤية متينة ومكينة، تسير وفق استراتيجية دقيقة، تُدرك الواقع والمحيط، واتخذت مسارها الصحيح، وتكسب التحدي تلو التحدي، ورهانها على شباب متمسك بدينه ووطنه وقيادته، يمثلون سيرة سيد الخلق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، خير تمثيل، تلك الرسالة المفعمة بالسلام والمحبة والتسامح، والمؤسسة على القيم الإنسانية.
إن العاملين في الشأن الديني في دولة الإمارات محظوظون بهذه التوجيهات الغالية والنصائح الصادقة، ورهان سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد على الكوادر الوطنية في محله بإذن الله تعالى، وسيؤتي ثماره اليانعة الطيبة التي ستكون في صالح دولة الإمارات وشعبها ومستقبلها، فمثل هذه الأعمال الجليلة والرؤى المخلصة الواثقة (كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا).
*المدير التنفيذي للشؤون الإسلامية في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف.