أعلنت بعض دول الخليج العربي انفتاحاً جزئياً في إجراءات الحظر، ومنع التجول بعد السيطرة الجزئية على انتشار وتفشي فيروس كورونا، وهو انفتاح جزئي وليس كلياً، وستكون نتائجه حاكمةً على الاستمرار فيه أو العودة لمنع التجول.
أعلنت عن ذلك مملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، والجميع يرصد النتائج ويبقى الرهان الأكبر على وعي المواطن والمقيم، أي أن من سيحكم على هذه التجربة بالنجاح أو الفشل هو الفرد، ومدى اتباعه لكل التعليمات وحماية نفسه ومن يحب والمجتمع من تفشي هذا الوباء، والإنسان خصيم نفسه.
كل شيء تجاه التعامل مع فيروس كورونا الخطير يتعلق بالوعي، وعي الأفراد والمجتمعات، هذا الوعي هو معيار النجاح والفشل في المواجهة، وقد كتب كاتب هذه السطور في هذه المساحة قبل شهرٍ تقريباً ما نصه: «من المسؤول عن محاربة فيروس كورونا؟ هل هي الدول، أو وزارات الصحة، أو الحكومات؟ على من نلقي اللوم حين تفشل المواجهة، لا قدر الله؟ الواقع أن المسؤولية الأهم هي عليكَ أنت وعليّ وعلى المجتمع ككل، فمن دون تحمّل الأفراد لمسؤولياتهم وعنايتهم بأنفسهم وعوائلهم، واتباع تام لتوجيهات المؤسسات المسؤولية في الدولة، فلا شيء سينجح»، وما قيل من قبل عن الفيروس يقال اليوم مع «الانفتاح الجزئي».
للحقيقة، فقد أبدى الأفراد في دول الخليج العربي وعياً مهماً ولافتاً بمخاطر هذا الفيروس، والتزاماً كاملاً بتوجيهات الجهات المسؤولة عن مكافحته من العناية بالنظافة الشخصية والتباعد الاجتماعي، واتخاذ كل ما يمكن من أسباب الحماية منه، عبر ارتداء الكمامات والقفازات في الأماكن العامة، وهذا أمرٌ يبشر بالخير في مدى الاستمرار في ذلك بعد «الانفتاح الجزئي».
الأفراد من مواطنين ومقيمين أبدوا في غالبيتهم العظمى هذا الوعي والالتزام، وإن كان ثمة خروقات فهي بحسب المعلومات المعلنة بشكل رسمي من الجهات المسؤولة، تتم بسبب قلة الوعي من قبل بعض الفئات الأقل تعليماً من العمالة الوافدة، ولأسباب تتعلق بطبيعة المعيشة التي تفرض عليهم العمل بشكل يومي.
هذا أمرٌ مهمٌ، فنقص الوعي حين يصبح تهديداً يمكن التعامل معه عبر تحديد الفئات الأقل وعياً، والتركيز على نشر الوعي بينهم، عبر استهداف مباشرٍ باللغات المحلية التي يتقنونها وبوسائل متعددة، فأول طرق الحل لأي مشكلة هو الاعتراف بها وتحديدها، ومن ثم التعامل معها بأفضل الطرق.
إذن، وفي كل الأحوال، فإن الأفراد مسؤولون بقدر مسؤولية الدول لإحراز التقدم في هذا الملف، وتحقيق النتائج الملموسة التي تساعد على استعادة الحياة الطبيعية قدر المستطاع، حتى يجد العالم دواء ولقاحاً لهذا الداء العضال، الذي ضرب حياة البشر على هذا الكوكب في الصميم.
يخطئ كثيراً من يحسب أن الانفتاح الجزئي يعني انتهاء الفيروس أو النجاح في القضاء عليه، ويخطئ كثيراً من يعتقد أن كل شيء انتهى فيتراخى في اشتراطات السلامة، ويخفف من الالتزام بالتعليمات الرسمية، فهذا الأمر بالغ الأهمية في تحديد النجاح والفشل في قرار «الانفتاح الجزئي».
«الانفتاح الجزئي» هو تطوير في التعامل مع الفيروس، بعد النجاح في منع التجول وخفض الأرقام في عدد الإصابات والوفيات، وهو بمثابة التجربة التي يمكن أن تتطور باتجاه انفتاحٍ أوسع أو العودة للإغلاق الكلي ومنع التجول، أخيراً، فأحد الأسباب التي تدفع باتجاه هذا الانفتاح الجزئي هو الأثر الهائل على الاقتصاد، بسبب الإغلاق الرسمي لكل الأنشطة إلا الضروري منها، وهو خطر حقيقي، ولا مخرج منه إلا بالتوازن بين أهمية حياة البشر وصحتهم من جهة، وأولوية ذلك وبين تحريك الاقتصاد، والحفاظ على استمراره ونجاحه.

*كاتب سعودي