في عتمة اليأس والهواجس والأشجان، والترقب الذي يعيشه العالم اليوم، حل علينا ضيف كريم، نستبشر بقدومه، مزدهياً بأنواره الساطعة، المبددة لذلك الليل البهيم، وقد لا نكون أكثر تلهفاً وأشد شوقاً لرمضان آخر مضى، كهذه المرة، ليس لأن المنتظِر للفرج يتعلق بكل شيء، ولكن لأن شهر رمضان إنما جاء ليأخذ معه الأحزان والأسى، ويُدخِل على بيوتنا وقلوبنا الأفراح والمسرات والخيرات، ويُثقل موازيننا بالحسنات.
فشهر رمضان مناسبة للفرح بالنعمة والسعادة، فإنه مؤْذِن بالأمان، والسلامة والاطمئنان، ولهذا كان مترقَّبا ترصده نفوس المؤمنين، فمن بلغ هذا الشهر فهو آمن، وقد كان من دعاء السابقين: «اللهم بَلِّغْنا رمضان» فمن وصل إليه فقد فاز ببغيته، واستبشر بنيل حظه، وأحسن ظنه بربه، ونال المنى، والتحق بركب المفلحين الرابحين المرحومين.
وليس ذلك تعليلاً للنفس وإنعاشاً لآمالها، ولكن كان هذا الشهر في تاريخنا دائماً مرتبط بالبشائر والخيرات، ومحقق للمسرات، ولعل تزامن هذا الوباء مع هذا الشهر الفضيل، من رحمة الله بخلقه ليخفف عن النفوس لأواءها.
فسننتصر -بإذن الله تعالى- على الخوف والهلع الذي يسكن النفوس، بما يَمدّنا به هذا الشهر من الاستقرار والاطمئنان، والتعلق بالرحمن، سننتصر -بحول الله وقوته- على كل المحن والأوبئة والأمراض، بما يربيه فينا هذا الشهر من قيم الصبر والمواساة والعطاء، والجود والكرم.
فـ «للصائم فرحتان» فرحة متجددة على مدار أيام رمضان، وفرحة عند لقاء ربه، وبين هاتين الفرحتين العظيمتين أفراح أخرى تابعة، حين نهايته، واجتناء ثماره، وملاحظة آثاره، والرقي الذي يُحدثه في كل نفس تتلبس به.
فالفرح والسرور اللذان يغرسهما فينا هذا الشهر لا مجال معهما للوجل، ولوعة النفوس واغتمامها، فهذا الشهر يرفع مقاييس السعادة والهدوء في المهج والوجدان، ويطرد الأحزان، ويُنسي المهمومين همومهم، وهو بلسم للمصابين، وسكينة للمتألمين، ومناسبة مواتية للتضرع لرب العالمين، كاشف كرب المكروبين.
ولماذا لا نفرح ونَسْعَد وكل الأسباب والوسائل متاحة؟، فأبواب الخير مفتوحة، وأبواب الشر مغلقة، والمنادي ينادي: «يا باغي الخير أقبل» والصائم لديه حظوة وأية حظوة، فالدعاء هو مفتاح الفرج وأقوى أسبابه، وهو من وظائف هذا الشهر الأساسية كما في آية الصوم، وفي الحديث النبوي «إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد»، فالله قريب منا يجيب دعاءنا، ويسمع نجوانا، فلنكثر من الدعاء في السراء والضراء، أن يرفع ما بنا من البلاء، ويعجل الفرج للإنسانية جمعاء.
ومن المتحتم علينا اليوم أن نسفر اللثام عن هذه المعاني المتفائلة، من هذه المناسبة العظيمة، ونبرزها في هذا الظرف الاستثنائي، حتى لا تتكدر الخواطر، تذرعاً بفوات ما فات من أجواء رمضان الإيمانية، وافتقاد العادات والتقاليد التي لم تفارق هذا الشهر خلال حقب كثيرة، فكان ذلك مدعاة لنشر الفرح واستشعار هذه النعمة، فلا نفسح المجال لليأس والقنوط، بل ننشر الفرح، ونستبشر بالفرج في بيوتنا وبين أطفالنا وأسرنا، ونطمئن كبارنا، ونزرع البسمة في مجتمعاتنا، ولنُطْنب في التفاؤل والإيجابية، فالوباء -بإذن الله- لا محالة زائل، والقلق لا يدوم، وكل عسر إلى يسر، وكل شدة إلى فسحة، ومن مقاصد الصيام التي نبّه عليها القرآن الكريم التيسير والتسهيل على عباد الله، وهذا ما أكده قوله تعالى: «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر».
*المدير التنفيذي للشؤون الإسلامية في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف.