يعتبر تقرير الوظائف الأميركية لشهر يونيو، والصادر الأسبوع الماضي، دليلاً إضافياً على أن هذا المؤشر أصبح أكثر من مجرّد لمحة عن تعافي جزء أساسي من الاقتصاد الأميركي واستشراف للسياسات النقدية. فاستمرار توفير عدد كبير من فرص العمل على مدار أشهر متتالية، من بين الأسباب الرئيسة التي جعلت توقعات خبراء الاقتصاد، في القطاعين الخاص والعام، لا تزال متفائلة بشأن النمو الأميركي، رغم حالة عدم اليقين الكبيرة بشأن الاقتصاد العالمي والتهديد باندلاع حرب تجارية. ويفسر أيضاً، ولو بصورة جزئية، السبب في أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) يلمح الآن إلى رفع أسعار الفائدة مرتين خلال النصف الثاني من العام الجاري. وعلاوة على ذلك، فإن المؤشرات الأخرى في هذا التقرير، والتي تشمل التباطؤ النسبي في زيادة الأجور وارتفاع معدلات البطالة، بسبب زيادة أعداد الأميركيين الذين دخلوا حديثاً إلى سوق العمل، تترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية مزيد من الحراك على صعيد العرض والطلب، والتي تدعم توسعاً مستمراً بصورة أقوى وأشمل. وفي حين أن تقرير الوظائف لشهر يونيو لم يكن قوياً، فإنه جاء مؤكداً لمفهوم أن الولايات المتحدة ستواصل تجاوز الدول الأخرى، وستتمكن من تجاوز الاضطرابات في السياسات التجارية ما لم تفض إلى حرب تجارية عالمية واسعة النطاق. وإلى ذلك، تشجع البيانات مجلس الاحتياطي الاتحادي على رفع أسعار الفائدة مرة أخرى على الأقل خلال العام الجاري، لاسيما أن ميزان المخاطر يميل إلى رفعها مرتين. ونستنتج من ذلك ثلاثة أمور بارزة: 1- قدرة كبيرة على توفير فرص العمل: لا يزال الاقتصاد الأميركي أحد أكثر الاقتصادات نشاطاً في العالم من حيث توفير فرص العمل، بإضافة 213 ألف وظيفة في يونيو، رغم أن متوسط تقديرات المحللين، الذين استطلعت «بلومبيرج» آراءهم، بلغ زهاء 195 ألف وظيفة. وفي هذه الأثناء، تمت مراجعة تقديرات الأشهر الماضية، مسجلةً ارتفاعاً. ولا شك في أن هذه مؤشرات مهمة في ضوء أن هذا هو العام التاسع على التوالي الذي تحقق فيه الولايات المتحدة نمواً اقتصادياً. 2- الارتفاع «الصحي» في معدلات البطالة: رغم أنه كان من المتوقع تراجع معدلات البطالة، إلا أنها ارتفعت إلى 4 في المئة من 3.8 في المئة، غير أن عدد الأميركيين العاطلين عن العمل، والذي ناهز 6.6 مليون شخص، يمكن أن يصبح مرة أخرى أقل من عدد فرص العمل الشاغرة في الوقت الراهن. والارتفاع في معدلات البطالة كان «صحياً» لأنه عكس ارتفاعاً في عدد القادمين الجدد إلى القوة العاملة (التي ارتفعت إلى 62.9 في المئة من 62.7 في المئة)، وهو ما زاد من آمال تمكن القوة العاملة الأميركية من التغلب على بعض الرياح غير المواتية. ويتسق ذلك أيضاً مع بعض البيانات الصادرة عن القطاعات الاقتصادية المختلفة والتي تشي بنشاط كبير في قطاع التصنيع، من بين قطاعات أخرى. 3- لا يزال نمو الأجور ضعيفاً؛ فبيانات يونيو لم تكن كلها مشجعة، وبدلاً من ارتفاعه، مثلما كان يأمل كثيرون، تراجع نمو الأجور السنوية بشكل طفيف من 2.8 في المئة إلى 2.7 في المئة. وعلاوة على ذلك، سلطت بعض من العوامل الأخرى، مثل ارتفاع معدلات البطالة بين الأميركيين من أصول أفريقية، الضوء على التحديات التي تواجه نمواً أكثر شمولاً. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»