عاد التوتر إلى الساحة السورية بعدما تهيأ لأغلب المراقبين والمحللين، أن الهدوء سيكون سيد الفترة التي ستلي السيطرة على الغوطة، وذلك بسبب الضربات الأميركية البريطانية الفرنسية، التي يبدو أنها جاءت مخففة وليست (شرسة)، كما أرادها البيت الأبيض ووصفها الإعلام الأميركي. قبل الضربة التي نُفذت على عدد قليل من الأهداف في سوريا، كانت قد صاحبت التهديد الأميركي جديّة، دفعت بالأطراف الموجودة على الأرض، روسيا والقوات الحليفة تحديداً الإيرانية، إلى الانسحاب من مواقعها وإعادة تموضعها تحوطاً لتفادي الآثار. وكان البعض قد طيّر أخباراً أن هنالك تردداً في واشنطن بالنسبة للضربة، مما أوحى لكثير من المحللين أن الضربة الموعودة جرى تأجيلها أو أنها أُلغيت، وهذا ما انطلى على متابعي تغريدات الرئيس دونالد ترامب، الذي ركز فيها على أن الضربة (قد تكون قريبة وقد لا تكون كذلك). فضلاً عن الأخبار التي تحدثت عن أن موسكو قامت بتأمين دمشق بأنظمة صاروخية متطورة، وأن هنالك دفعات لأنظمة صاروخية جديدة، جرى إرسالها عبر جسر جوي إلى الميدان، وذلك كله للرد على أي أعتداء، لكن الاعتداء نُفّذ و(المَهمة أُنجزت) حسبما أعلن المتحدثون الرسميون في العواصم الغربية الثلاث. وبعد أن جرى تنفيذ الضربة، يود المتابع والمهتم معرفة ما الذي جرى قبيل الضربة، سواء عبر الخط الساخن بين العاصمتين موسكو وواشنطن، أو عبر المبعوثين السياسيين الذين قاموا بزيارات سريعة بين موسكو وطهران، وبين طهران ودمشق، فماذا كان الحديث عنه؟ ما رشح من أخبار في واشنطن تحديداً، هو أنه إضافة إلى قضية استخدام الأسلحة الكيميائية في دوما وأماكن أخرى، فإن أميركا - الموجودة فعلياً في الميدان - تريد حلاً للأزمة السورية وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، وقرارات مؤتمر جنيف واحد، ولا تريد للملف السوري أن يذهب بعيداً ليأخذ أشكالاً أخرى في أماكن أخرى، وترى أن هذا الحل لا يمكنه أن يتحقق ما دامت هنالك قوات أجنبية، غير روسية، على الأراضي السورية، وتحديداً الإيرانية وبقية الميليشيات التابعة، وبالتالي فإن على موسكو، بما أنها تمتلك كامل الملف السوري، القيام بالضغط على هذه القوات الأجنبية للخروج من سوريا. هذا المطلب الواضح الذي كما ترى أنه يحقق مصالحها، وفي الوقت ذاته، يساند الشعب السوري، وربما يلبي رغبة إسرائيلية بتأمين حدودها.. هذا المطلب كان على موسكو القيام بتحقيقه أو في الأقل السعي والعمل عليه، مما كان قد يؤجل الضربة أو حتى يلغيها، لكن يبدو أن موسكو أخذت وقتاً أكثر من اللازم، كعادتها، لدراسته، أو أنها حاولت، لكن النتيجة جاءت خلافاً لما توقعته واشنطن. وبالتالي كان للضربة أن تأخذ طريقها إلى التنفيذ. وهنالك عدة تداعيات سلبية للضربة على سوريا، من بينها وأهمها، حرج موسكو أمام حلفائها في سوريا وخارجها، فقد كانت هنالك أكثر من رسالة في الضربة الخاطفة التي وصفتها وسائل الإعلام المتخصصة في الغرب، أنها جرت من دون اعتراضات أو مخاطر من المضادات الأرضية، خلافاً لما صرح به الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية، من أن المضادات الأرضية الميدانية (أسقطت 70 صاروخاً من أصل 105 صواريخ) جرى إطلاقها جواً وبحراً. يبقى أن الاعتقاد السائد لدى السوريين أولاً وبقية الحلفاء، أن موسكو سترد على أية عملية عسكرية تستهدف سوريا، لكنها لم تفعل، بل إن أسطولها ابتعد عن السواحل السورية، حسبما نقل شهود عيان، الأمر الذي قد يترك لدى حلفائها أكثر من علامة استفهام، ليبقى السؤال معلقاً: هل كان بوسع موسكو أن ترد؟ وما سبب عدم ردها؟