قدم المدافعون عن القرار الذي اتخذه ترامب بشأن فرض تعريفات على منتجات الصلب والألمونيوم المستوردة، عدة حجج، للتأكيد على صحة هذا القرار، لكن أياً من هذه الحجج لا يصمد، في حقيقة الأمر، أمام الحد الأدنى من التدقيق. 1- «لورا إنجرام» مقدمة البرامج، والكاتبة والمعلقة السياسية الشهيرة، تقول: «برافو» للتعريفات، لأنها وسيلة «لمواجهة انتهاكات الصين لقواعد التجارة والملكية الفكرية». لكن الحقيقة أن التعريفات ليست موجهة ضد الصين تحديداً، وإنما ستنطبق على الواردات من أي دولة، في حين أن 3 في المئة فقط من واردات الصلب لدينا تأتي من الصين. ويؤكد ذلك ما ذكره «بيتر نافارو» الذي يعتبر من أشد أنصار الحمائية في البيت الأبيض، عندما قال صراحة في برنامج «واجهوا الأمة»، على فضائية «سي بي إس»، يوم الأحد الماضي، إن التعريفات «ليست مشكلة متعلقة بالصين». 2- كتبت «كريستيان ساينس مونيتور» في افتتاحيتها تقول إن ما يصرح به الرئيس ترامب «يستحق السماع»، لأن تعريفاته تعبر عن شوق الإنسان العميق إلى المعاملة بالمثل، ولأن بلاداً أخرى قد حظرت الوصول إلى منتجاتنا، في حين أننا نتيح لشركاتهم فرصة الوصول إلى عملائنا، مما يستدعي «معياراً جديداً للعدالة». لكن هذا التبرير لا يتماشى مع ما قال ترامب إنه ينوي فعله. فالتعريفات الجمركية المزمعة، ستنطبق على الواردات من أي بلد آخر في العالم، بصرف النظر عن ممارساته التجارية. 3- تفرض التعريفات بموجب نص قانوني يجيزها لأغراض الأمن القومي. لكن هذا في الحقيقة ليس سوى ستارة دخان؛ لأن إنتاج الصلب في الولايات المتحدة، ظل مستقراً نسبياً لعقود. «ولأن هذه الصناعة ليست (ميتة)، كما يؤكد ترامب». في هذا الصدد، أوصى وزير الدفاع «جيمس ماتيس»، في معرض تأييده لترامب، باتخاذ إجراءات أكثر استهدافاً للصلب، والانتظار بشأن تفعيل الإجراءات المتعلقة بالألمنيوم، محذراً مما وصفه بـ«التأثير السلبي على حلفائنا الرئيسيين» فيما يتعلق بالعمل الأكثر شمولاً الذي يريده ترامب منهم. وقال ماتيس أيضاً إن الجيش يحتاج إلى 3 في المئة فقط من إجمالي إنتاج الولايات المتحدة من الصلب والألمونيوم. وبالتالي إذا كانت التعريفات مدفوعة بمخاوف أمنية قومية حقاً، فإن ترامب ما كان سيقول في مثل هذه الحالة إنها ستبقى، حتى تتم إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية. 4- قد تكون هناك حاجة إذن، إلى مثل هذه التعريفات للحد من العجز التجاري! وقد ادعى «نافارو»، ووزير التجارة «يبور روس» أن العجز التجاري نفسه يطرح من الناتج المحلي الإجمالي. وهما يقصدان ما يقولانه حرفياً. فالناتج المحلي الإجمالي يتكون من خلال إضافة الاستهلاك والاستثمار والإنفاق الحكومي والصادرات الصافية. ونظراً لأن صافي الصادرات هو إجمالي الصادرات ناقصاً الوردات، فقد يبدو الأمر على هذا النحو وكأن الواردات والعجز التجاري يخفضان الناتج المحلي الإجمالي. لكن هذا في الحقيقة سوء فهم للمعادلة. فالواردات تدرج في الاستهلاك، والاستثمار، والإنفاق الحكومي؛ وهي تطرح فحسب للحيلولة دون اعتبارها جزءاً من مخرجاتنا الاقتصادية. وإذا ما نحينا بعض الأخطاء المحاسبية البسيطة جانباً، فسنجد أنه ليس هناك ثمة علاقة بين العجز التجاري والنمو الاقتصادي. 5- في اجتماعات البيت الأبيض، وصف ترامب هذه التعريفات بأنها تمثل جزءاً مما وصفه بـ«القومية الاقتصادية». لكن أي قومية تستحق الاسم، يجب أن تنطوي على السعي لتحقيق مصالح الأمة ككل، وليس شركات معينة. يلاحظ أن البيت الأبيض يحاول أن يجعل المسألة تبدو وكأن التعريفات ستعود بالفائدة على الاقتصاد بشكل عام. لكن إثبات صحة هذا الطرح سيكون صعباً، لأن الصناعات التي تستخدم الألمنيوم والصلب، وستتعرض للضرر بسبب التعريفات الجمركية، هي أكبر حجماً وتوظف أعداداً أكبر من الأميركيين، مقارنة بالصناعات التي ستستمتع الآن بحماية أكبر. ويشار هنا إلى أن ترامب قد أعلن التعريفات بعد الاستماع إلى المديرين التنفيذيين للشركات التي ستتم حمايتها. وبالتالي فإن الوصف الأفضل لهذا النوع من السياسات هو «سياسات المحسوبية» بدلاً من «القومية». ومع أن الحمائية تؤدي إلى الترويج للفساد، فإن الأمر المؤكد تقريباً هو أن الرغبة في إرضاء المديرين التنفيذيين لشركات الصلب والألمونيوم ليست هي ما يقود السياسات التجارية لإدارة ترامب. فالذي يقود هذه السياسات في حقيقة الأمر هو مجموعة من الأفكار حول التجارة، يتبناها ترامب وبعض مستشاريه منذ فترة طويلة. فالكثير منهم يعتقدون في قرارة أنفسهم أن العجز التجاري خطير، وأن صفقات التجارة الحرة قد تضر باقتصادنا، وما إلى ذلك. هذه الأفكار سيئة، للأسف، وليست هناك حجة جيدة يمكن تقديمها للدفاع عن السياسة التي ستنتج عنها. وهذا تحديداً هو السبب في أننا نسمع مثل هذه الحجج المختلطة، التي تقدم للدفاع عن رسوم ترامب الجمركية المخطط لها. راميش بونورو كاتب عمود في «بلومبيرج فيوز» وزميل زائر بمعهد «أميركان إنتربرايز» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»