هل تتذكرون فترات الركود؟ إنها الأوقات التي تتراجع فيها أسواق الأسهم، ويزداد معدل البطالة، وتتوقف الشركات عن الاستثمار. لقد شهدت الولايات المتحدة الأميركية فترة ركود كبيرة قبل عقد من الآن، إذ هناك الكثير من العمال الشباب الآن كانوا أطفالا عندما كانت أسماء مثل الأخوة ليمان «ليمان براذرز» و«بن بيرنانكي» هي محور الأخبار اليومية. ووفقاً للمؤشرات التي جمعها المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، لم يشهد الاقتصاد الأميركي ركوداً منذ يونيو 2009، أي قبل نحو تسع سنوات. وإذا استمر الاقتصاد في توسعه لمدة 14 شهرا أخرى قادمة، فستكون هذه أطول فترة تشهدها دولة دون حدوث انكماش اقتصادي في التاريخ المسجل، لتتفوق بذلك في المدة على فترات الازدهار التي حدثت في ستينيات القرن الماضي وتسعينياته. فلماذا كان الاقتصاد ينمو دون انقطاع لفترة طويلة؟ جزء من السبب يعود بالتأكيد إلى شدة الركود الكبير نفسه، إلى جانب بطء الانتعاش اللاحق. وقد أدى النضوب الهائل الذي لحق باستثمار الشركات إلى التكدس في المكاتب والمصانع الخاملة. وكان الانخفاض العميق في العمالة يعني أن الأمر استغرق وقتا طويلا لإعادة الأميركيين إلى العمل. وكان التوسع الذي بدأ في منتصف عام 2009 طويلا، حيث تثاقل في التسلق للخروج من الهوة العميقة. بيد أن هناك سببا أخر أيضا، فببساطة، لم تشهد الولايات المتحدة أي أحداث عشوائية، أو ما يصفه الاقتصاديون بالصدمات، والتي تمثل إلى دفع البلاد نحو الركود. ومن الواضح أن أول نوع من الصدمات هو الأزمة المالية. فالانخفاض الكبير في أسعار الأصول من الممكن أن يؤدي إلى فشل، أو شبه فشل، للبنوك وغيرها من المؤسسات المالية الأخرى، وإلى خنق الإقراض وتوقف عجلة الاقتصاد. وفي كثير من الأحيان -كما أدرك خبراء الاقتصاد الكلي في وقت متأخر- يكون تحطم أسعار الأصول نتيجة لفقاعة، مثل فقاعة الإنترنت في أواخر التسعينيات أو فقاعة سوق الإسكان في منتصف العقد الأول من القرن الـ21. فهل هناك أي فقاعات في الأفق؟ وفقا للمقاييس التقليدية، مثل نسبة السعر إلى الأرباح بحسب مؤشر كيس شيلر لأسعار المساكن، فإن أسعار سوق الأسهم مبالغ فيها بشكل كبير. في أفضل الأحوال، هذا يعني أن عائدات السوق المتوقعة في المستقبل ستكون ضعيفة للغاية، وفي أسوئها، هذا يعني احتمال حدوث انهيار كبير قريبا. يعتقد «آلان جرينسبان»، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي خلال فقاعة التكنولوجيا، أنه الخيار الأخير. لكن يبدو أن الجميع يدرك تماما أن الأسهم باهظة السعر، ولا يوجد هوس شراء الأسهم بين المستثمرين والأفراد العاديين كما كان الحال في عام 1999، ولا أحد يقول «هذه المرة مختلفة». وبدون ما وصفه «جرينسبان» ذات مرة بـ«الاندفاع غير العقلاني»، من الصعب أن تكون هناك فقاعة. والأسهم ليست هي المكان الوحيد الذي يمكن أن تحدث فيه فقاعة، هناك دائما «البيتكوين» وغيرها من العملات المشفرة. وانهيار البيتكوين من الممكن أن يمحو ثروات عالمية تقدر بمئات المليارات من الدولارات. وهذه تكون فقاعة صغيرة مقارنة بالفقاعات السابقة، لكنها مع ذلك من المحتمل أن تكون كافية لدفع الاقتصاد إلى الركود، خاصة إذا كان الناس قد اقترضوا لشراء عملات مشفرة. وهناك احتمال حدوث فقاعة ثانية في الصين. وعلى الرغم من أن البلاد نجت من انهيار سوق الأسهم في عام 2015 دون حدوث ركود، فإن انهيار العقارات، وما يرتبط بها من مستويات عالية من الدين، سيكون أمرا أكثر جللا. ولهذا السبب فإن الحكومة الصينية تحاول باستمرار إدارة سوق العقارات. وإذا فشلت في القيام بذلك، فإن الانهيار الصيني من الممكن أن يمتد إلى الولايات المتحدة من خلال التجارة أو الروابط التجارية. ورغم ذلك، فإن الفقاعات وفشل البنوك ليست هي النوع الوحيد من الصدمات. وقد وثَق خبير الاقتصاد الكلي «جيمس هاميلتون» كيف أن معظم فترات الركود -بما في ذلك الأخيرة- تسبقها ارتفاعات حادة في أسعار النفط. وحاليا، فإن أسعار النفط ليست مرتفعة للغاية، حيث تبلغ نحو 63 دولار للبرميل. وقد يؤدي تعطيل الإمدادات، بسبب الحرب على سبيل المثال، إلى رفع الأسعار، لكن المملكة العربية السعودية وغيرها من المنتجين الرئيسيين للنفط، لا يبدو أنها معرضة لأي مخاطر. وفي الوقت نفسه، فإن أي ارتفاع كبير في الأسعار سيجعل منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة يرفعون الإنتاج، ما سيعمل على الحد من الأسعار. ومن ناحية أخرى، فإن السيارات الكهربائية تكتسب حصتها في السوق ببطء، ما سيقلل الطلب على النفط على المدى الطويل. وهناك نوع أخير من الصدمات يمكن أن يأتي من سياسة الحكومة. فالارتفاعات الكبيرة في أسعار الفائدة كانت إلى حد كبير السبب في فترات الركود التي شهدتها الولايات المتحدة في مطلع الثمانينيات. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»