في منتصف شهر أغسطس الماضي، خرج رئيس الولايات المتحدة الحالي دونالد ترامب على الشعب الأميركي من خلال مؤتمر صحفي، ليعلن أن إدمان مسكنات الآلام ومشتقات أو شبيهات الأفيون قد أصبح طارئاً صحياً وطنياً، ولدرجة أن هذه المشكلة الصحية الاجتماعية أصبحت تُصنف على أنها خطر على الأمن القومي الأميركي. ويكفي لإدراك حجم هذه المشكلة حالياً، معرفة أن 90 أميركياً يلقون حتفهم يومياً نتيجة تناول جرعة زائدة من مشتقات الأفيون، ضمن 142 أميركياً يلقون حتفهم يومياً بسبب المخدرات بمختلف أنواعها. وبناء على هذه الوفيات اليومية، تظهر البيانات والإحصائيات أن أكثر من 42 ألف أميركي يلقون حتفهم بسبب الجرعة الزائدة من مسكنات الآلام ومن مشتقات الأفيون، سنوياً. وبخلاف عشرات الآلاف من الوفيات سنوياً، أدى فرط استهلاك الأميركيين لمشتقات الأفيون إلى أزمة عالمية تتمثل في نقص حاد في هذه الطائفة بالغة الأهمية، كونها تستخدم في العقاقير الطبية، فالأميركيون يستهلكون أكثر من 30 ضعف الاحتياجات الطبية الطبيعية. وبسبب مخاوف الحكومات والمنظمات الشرطية والقانونية في مختلف دول العالم، من أن يعبر حدودها ويصل لشواطئها نفس وباء الإدمان الذي يعصف حالياً بنسيج المجتمع الأميركي، وضعت حكومات معظم دول العالم العديد من العراقيل والمصاعب الجمة، أمام من يرغبون من المرضى في الحصول على مشتقات الأفيون، وأمام أفراد الطاقم الطبي أيضاً، مما أدى لأزمة طبية عالمية من النقص الحاد في مشتقات الأفيون. ومشتقات أو شبيهات الأفيون تلك، هي مجموعة من المواد الكيميائية المنتمية إلى طائفة العقاقير المسكنة للآلام، وتطلق عليها هذه التسمية لأنها تؤثر جميعها على نفس المستقبلات العصبية التي تتأثر بالأفيون والهيروين، وتوجد هذه المستقبلات بشكل واسع في المخ، وأيضاً في الحبل الشوكي، وفي الجهاز الهضمي. وتستخدم هذه العقاقير بشكل واسع في المجال الطبي لتسكين الآلام الحادة والآلام المزمنة، وفي التخدير قبل العمليات الجراحية، وأحياناً ما تُستخدم في علاج حالات خاصة من الإسهال أو لعلاج الكحة، لكن نتيجة ترافق التأثير الطبي لتلك العقاقير بإحساس بالنشوة والسعادة، أصبحت من أكثر أنواع العقاقير الطبية التي يُساء استخدامها من قبل المدمنين. ومما فاقم من حجم هذه المشكلة زيادة هائلة في عدد الوصفات الطبية لمسكنات الآلام خلال العقود الأخيرة، بالإضافة إلى سهولة الحصول على هذه النوعية من الأدوية والعقاقير الطبية بطرق غير مشروعة. ويمكن إدراك مدى النقص (النسبي) من مشتقات الأفيون من حقيقة أن المكسيكيين مثلاً يستخدمون 36 % فقط من احتياجاتهم الطبية الطبيعية، وتنخفض هذه النسبة إلى 16 في المئة فقط في الصين، وإلى 4 في المئة في الهند، وفي نيجيريا تصل معدلات الاستخدام الطبية إلى 2 في الألف فقط من الاحتياجات الطبية. ولا يمكن رد النقص العالمي الحالي من مشتقات الأفيون إلى وباء الإدمان الذي يجتاح المدن والقرى الأميركية فقط، حيث كثيراً ما يرتبط إنتاج الأفيون بالصراعات العسكرية، وبالاضطراب السياسي والاجتماعي. وأمام أزمة النقص العالمية الحالية، ارتفعت مطالبات من بعض أفراد المجتمع الطبي بضرورة زيادة الإنتاج العالمي الشرعي من الأفيون، بسبب النقص الحاصل حالياً في ما هو متوفر منه للأغراض الطبية. حيث يستخلص المورفين من الأفيون، ويتم استخدامه حالياً على نطاق واسع لغرض تخفيف الآلام الحادة، كما هو الحال بعد العمليات الجراحية، أو المغص الكلوي الشديد، أو لتخفيف آلام مرضى السرطان في أيامهم الأخيرة. ويرى البعض أن تزايد حدة الصراعات العسكرية حول العالم، قد زاد من طلب الخدمات الطبية العسكرية على تخزين المورفين، وهو ما أدى إلى نقص عالمي في المتوفر للأغراض الطبية الأخرى. وإن كانت الأصوات المطالبة بتقنين إنتاج الأفيون، وخصوصاً في أفغانستان لاستخدامه للأغراض الطبية قابلتها أصوات معارضة، بنت موقفها على أن تقنين إنتاج الأفيون سيؤدي بالتبعية إلى زيادة في حجم ما يوجه منه إلى تجارة المخدرات، مؤكدة أن أي إجراء لتقنين محاصيل الخشخاش الذي ينتج منه الأفيون، سيرفع من أسعاره، وبالتالي يجعله محصولاً أكثر جاذبية اقتصادية للمزارعين الأفغان، مما سيزيد من المساحات المزروعة منه، ومن ثم من حجم المتوفر من الأفيون للتهريب والاتجار، وسيفاقم من مشكلة إدمانه وإدمان مشتقاته، والتي وصلت لحد الوباء الذي يحصد سنوياً الآلاف من الأرواح في العديد من المجتمعات حول العالم.