من مسار الأزمة الحالية التي خلقتها قطر لنفسها، أو في الأصح خلقتها النخبة السياسية القطرية التي تملك زمام الأمور حالياً وتدير شؤون البلاد لقطر وشعبها، هي أزمة مثيرة للحزن والأسى في كل أوساط المواطنين الخليجيين، من رسميين ومواطنين عاديين لأنها تغوص في أعماق جملة المصاعب التي تواجهها قطر من خلال دعمها وتمويلها للإرهاب واستعداء الجيران والأشقاء العرب والتدخل في شؤون الدول العربية وإيواء فلول وقادة جماعات الإسلام المتطرف من «إخوان» إرهابيين وغيرهم، إلى غير ذلك من جملة الانحرافات والممارسات الخاطئة التي درجت عليها النخبة القطرية الحاكمة منذ عام 1995. والحديث هنا لا يتعلق بإيجاد حل منفرد لأمر واحد إنما يتعلق بجملة من المصاعب المتداخلة والمترابطة بعضها مع بعض في سياق متصل يبدو أن من يسيطرون على الأمور في قطر غير قادرين حتى الآن على إدراكها، أو أنهم يحاولون الهروب إلى الأمام في محاولة للتخلص منها بوسائل وأساليب لا تتناسب مع جسامتها، وهذا أمر معوق لحل الأزمة إن هم حاولوا ذلك. المسألة من وجهة نظري أخلاقية - إصلاحية لا بد من طرقها بشكل صحيح لكي يتم إعادة قطر إلى لحمتها الأصلية وأشقائها الخليجيين والعرب الذين يحبونها أكثر من غيرهم، وحريصون عليها حرصاً لا يمكن أن يصل إلى مستواه الأجانب من فرس وأتراك ومن شئت من الأمم والملل الأخرى. ومن يتولون الأمور في قطر حالياً يتجاهلون ذلك ويدعون غيره بطريقة فيها استخفاف بعقول البشر وأولهم أشقاؤهم في مجلس التعاون الخليجي. هم الآن يقفون مواقف متطرفة جداً من حل أزمة الصراع، وهم بعيدون جداً عن الوسط الذي يفصل بين الاعتدال والتطرف، وبالتالي فهم يصورون أنفسهم بأنهم مظلومون و«محاصرون» ومعزولون عن العالم من قبل دول هم إلى جانبها صغار جداً، وذلك بنفس أسلوب الضعف والمظلومية الذي مارسته إسرائيل أمام العالم منذ زرعها في قلب العالم العربي عام 1948 إلى أن انكشفت حقيقتها المخيفة في حربها الضروس ضد العرب في 5 يونيو 1967. ما لا يفهمه من يديرون الأمور في قطر حالياً أنهم أمام أزمة وواقعون في ورطة سياسية واقتصادية تتطلب حلولاً ومواجهة وليس تملصاً وهروباً إلى الأمام ومراوغة والعيش في دوامة، فهذا لن يجدي. ما يجب عليهم فهمه أن قطر التي يحكمونها حالياً واقعة في أزمة حقيقية عليهم حلها. وهذا الحل يحتاج إلى آلية عملية لحل الاختلافات بينهم وبين جيرانهم ومن استعدوه بتعمد من العرب الآخرين. أما ترك الأزمة تتفاقم وتخرج عن نطاق السيطرة فإن من شأنه أن يدمر كامل النسيج السياسي والاقتصادي والاجتماعي القطري. وما نعتقده هو أن مفاتيح حل الأزمة هذه جميعها في يد أعضاء النخبة السياسية القطرية الممسكين بزمام السلطة حالياً. وأولها اعترافهم بوجود هذه الأزمة التي تسببوا فيها لأنفسهم ولبلادهم ولأبناء شعبهم، وثانيها هو تلبية مطالب الدول الأربع المقدمة إليهم عبر الوساطة الكويتية التي تعمدت إفشالها بإصرار شديد وبتعالٍ وعنجهية واضحة. في الخليج العربي ذي المجتمع القبلي الوساطة على هذا المستوى هي وسيلة قبلية تقليدية مستمرة منذ أقدم الأزمان لتسوية الخلافات وحل الأزمة، وفي الأزمنة الحديثة تم تحديدها وتبنيها من قبل دولة الكويت على يد أميرها الحالي ووزير خارجيتها السابق حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر، حفظه الله ورعاه. وفي جميع الوساطات السابقة التي قام بها سموه بين دول الخليج العربي كان ناجحاً إلى أبعد الحدود حيث جنب هذه الدول مغبات التمادي في الصراع وجنبها ويلات نشوب المزيد من الصراعات السياسية والعسكرية، فهو عراب حل أزمات الصراع في الخليج والعالم العربي، لكن تزمت من يحكمون قطر حالياً وتكبرهم وعنجهيتهم أوصلت تلك الوساطة الحميدة إلى طريق مسدود. وأمام جميع ذلك نجد أن حل هذه الأزمة سيراوح مكانه إلى أن يثوب من يحكمون قطر حالياً إلى رشدهم ويعودوا إلى الطريق القويم. *كاتب إماراتي