تشهد الكويت هذه الأيام جدلاً حاداً حول تدخل رجال الدين ونواب مجلس الأمة من المنتمين للإسلام السياسي، في حرية العمل التجاري. فقد تدخل نائب برلماني من أجل إغلاق محل تجاري مرخص يعرض مجسمات ثلاثية الأبعاد.. حيث اعتبرها كل من النائب الإسلامي محمد هايف ورجل الدين عثمان الخميس أصناماً لا يجوز عرضها أو تداولها، ومن ثم طالبوا بمنع عرض هذه المجسمات وإيقاف بيعها.
وعقب هذه المطالبة قام صاحب الشركة بسحب جميع المجسمات في محله، حمايةً لموظفيه من التعرض لأي إساءة أو تهجم غير متوقع.
وجاءت ردود الفعل على تدخل جماعات الإسلام السياسي، من نواب برلمانيين ورجال دين، بصيغ متباينة.. فقد أشعلت الحادثة ساحة الفتاوى الدينية وفضاء وسائل التوصل الاجتماعي، خاصة من جانب مؤيدي مصادرة المجسمات («الأصنام» على حد زعمهم) والمطالبين بإغلاق المحل بالكامل.. لكن بعض رجال الدين المستنيرين، أكدوا أن الصحابة فتحوا مصر ووجدوا «تمثال أبو الهول وتماثيل رمسيس»، وفتحوا أفغانستان فوجدوا تماثيل «بانيان».. فما أمروا بإزالة أي من تلك التماثيل، ولا مَن جاء بعدهم من الأئمة المجتهدين فعلوا ذلك.. فهل يعقل أن يأتي اليوم مَن هو أفقه في الدين من الصحابة والتابعين والأئمة أو أكثر غيرة منهم على الإسلام؟!
النائب الليبرالي أحمد نبيل الفضل زار محل المجسمات وطالب بتصويره وبإعداد مجسم يضعه في مكتبه في مجلس الأمة. واعتبر «الفضل» إثارة مواضيع الأصنام وغيرها من التوافه التي تنتهك العقل وتشغل المجتمع بنقاشات عقيمة، فقط لوجود مرضى نفسيين يريدون بسط سيطرتهم الفكرية على خلق الله. واعتبر ما حصل مناقضاً للحريات في دولة مؤسسات وقانون مثل الكويت. وقال النائب «الفضل» إن ظاهرة منع الكويت للكتب الثقافية والروايات الأدبية في معرض الكتاب القادم أمر مستغرب، وتساءل: هل يعقل أن تقوم ضجة «الأصنام» في بلد عربي دستوري يؤمن شعبه بالتعددية الفكرية؟ كما اتهم بعض الجهات بالتراخي في تطبيق القانون حيال هذه الفئة من المغرضين، مشيراً إلى أن ذلك باعتباره سبباً رئيساً في التعدي على الحريات ومصادرة الثقافة وإثارة التوافه من الأمور؛ مثل بيع «الأصنام»!
والسؤال الذي علينا طرحه هنا هو: لماذا تتعرض الكويت، وهي بلد عربي إسلامي ينعم بحرية نسبية وديمقراطية وليدة، للهجوم من قبل جماعات الإسلام السياسي، من مشايخ ونواب؟ نتصور أن السبب يكمن في محاولة جماعات الإسلام السياسي أدجلة الدين في الكويت، مما يؤدي حتماً إلى التطرف والانفراد بالرأي وقمع الآخر وإقصائه. بمعنى آخر، فإن الأيديولوجية أو العقيدة، كما يراها الإسلام السياسي، تفرض على الإنسان الفرد سلوكه الاجتماعي وحياته الخاصة بكل أبعادها. إنهم يريدون أن يحددوا للإنسان في الكويت كيف يفكر، وماذا يقرأ، وماذا يشاهد، وماذا يفعل، وكيف ينبغي عليه أن يكون.. والهدف الرئيس من ذلك هو تجميد فكر المجتمع ورهن مصيره باسم الدين.
والمطلوب من النخبة المثقفة وأنصار الحرية والديمقراطية، العمل بشكل جاد لخلع سلاح الدين من الذين يتاجرون به لأغراض سياسية محض.