هناك بعض الدول التي تمارس النفاق السياسي جهراً، وتتبجح بعكس ذلك، كالدولة التي تريد أن تقود العالم الإسلامي السُني، ويخرج منها خليفة للمسلمين، وهي ثاني أكبر دولة في حجم بيع أسلحتها للجانب الإسرائيلي بعد الولايات المتحدة، كما وتصدّر لإسرائيل أكثر من مليوني طن من الإسمنت سنوياً لبناء المستوطنات، وهي أول دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف بإسرائيل كدولة في عام 1949، ونحن هنا نخاطب العقول، وقسّ على ذلك باقي الدول التي تشجب وتستنكر! فماذا قدّمت للشعب الفلسطيني أكثر من غيرها؟ وماذا غيرّت من واقع القضية الفلسطينية على الأرض، سوى الدعوة للاجتماعات الطارئة والشجب والاحتجاج والخطب في المنظمات الدولية، وجمع التبرعات والدعم منذ أكثر من نصف قرن؟! وأين هي نتيجة هذا الدعم؟ وكيف استفاد منه الشعب الفلسطيني، في استعادة أي حق من حقوقه؟!
فقد ضمت إسرائيل القدس على مسمع ومرأى من العالم العربي والإسلامي، الذي لم يحرك ساكناً، اللهم إلا تنديداً وإدانة، ولم تتوقف مشاريع بناء المستوطنات، وأراض فلسطينية وأردنية سيتم الاستيلاء عليها بوضع اليد، ولو فعلت! سنشجب ونحتج وماذا بعد؟ واقع مرير يكذّب كل البيانات والتصريحات من الساسة العرب والمسلمين، وبيع الأوهام للشعوب والخسائر والخيبات تتوالى، حتى جاءت دولة الإمارات، وهي الفاعل الأنشط والأذكى اليوم على الساحة العربية، وشجاعة في اتخاذ مواقف غير عاطفية لوقف إسرائيل من وضع اليد على المزيد من الأراضي العربية في فلسطين والأردن، ولو فعلتها لما استطعنا الوقوف في وجهها، بالحال الذي نحن عليه اليوم من التشرذم والضعف. 
قدرنا أن نتعايش مع أوضاع نحن اليوم الحلقة الأضعف فيها، وأن نلجأ للدبلوماسية لنحقق مكاسب من خلال طرق غير تقليدية، وإعادة دخول المسلمين للقدس، وفتح آفاق جديدة للشعب الفلسطيني لبناء حقيقي في دولة يسودها القانون، ولديها ما يكفي من القوة لتصبح نداً لأية دولة أخرى في المنطقة، وأن تتوفر الحياة الكريمة للشعب، وعدم الركون لأقوال قيادات لا تجوع ولا تظمأ، ولديها أرصدة في كل بنوك العالم، ويتكلمون عن حق العودة وتحرير الأراضي، وغيرهم يموت من الجوع والعوز والبطالة والمرض والحرمان، وفصائل تنادي: «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة»، وهي تقاتل وتنحر بعضها بعضاً في خلافات دائمة منذ أن عرفنا تلك الفصائل، والضحية هو الشعب الفلسطيني، الذي لم ير على أرض الواقع غير الوعود.
فحلم الوحدة الوطنية الفلسطينية، وجمع الشتات في وطن قومي، لم ولن يتحققا بالاستمرار في تصرفات وممارسات، أثبتت فشلها دون أدنى شك، وعقيدة عودة دون خطة واقعية مستدامة وقابلة للتحقيق، ومواجهة النفس قبل لوم الآخرين، ولذلك فمن باع القضية، هو من جعل الشعب ضيف شرف في حكومة، تتكون من حكومات فرعية ليس لهم فيها ناقة ولا بعير، وأتساءل هنا: أين هو ذلك الرابط السببي الاستراتيجي بين ثوابت القضية الفلسطينية، والإمكانيات والمقدرّات والمرونة والكفاءة المطلوبة، لجعلها تتبلور على أرض الواقع؟ وينبغي عدم خداع الشعب بمجرد خطب أقرب لمعلقات الشعر الجاهلي، ونحن نعرف تمام المعرفة أنها مجرد كلام على ورق.
هل نحن اليوم في موقف وحدة عربية وإسلامية، وتفوّق في ميزان القوة لصالحنا؟ هل نملك قرارنا الوطني وإرادتنا الوطنية الحرة؟ الإجابة على هذه الأسئلة بداية السير في طريق الواقعية السياسية، وخاصةً بعد انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، وعدو ظاهر وآخر مستتر، والتنافس الجيوسياسي الناتج عن تلك الفجوة، ناهيك عن أن كل الدول الإسلامية الكبرى في علاقة تعاون مع إسرائيل، وإن كانت غير معلنة!